محمد الرياني
ضحكتُ ونسيتُ أسناني بارزة، لم أُطبقْ شفتي ، المشهدُ الذي أمامي كان في غايةَ الروعة، طافَ خيالي كثيرًا، حلّقَ وحلّقَ عاليًا ولم تعد شفتاي إلى سابقِ عهدهما، حتى تلك المرأة المسنَّة التي مرَّتْ من أمامي كانت تشيرُ إليّ بعكازها القديمِ وهي تتمتمُ بكلماتٍ وأنا غارقٌ في ابتسامةٍ هربتْ بأجنحتها إلى أعلى وتركتْني بفمٍ شبهِ مفتوح، سمعتُ طرفًا من كلامِ المرأةِ العجوزِ وهي تقول : مسكينٌ هذا الجالسُ وحيدًا وكأنه جُنَّ!! مرَّتْ بعدها فتاتان تمشيان بتمايل، رمقتاني بنظرةٍ غريبة، التفتُّ غيرَ مصدقٍ وأنا أتحسسُ شفتيَّ، وضعتُ كفِّيَ الأيمنَ عليهما وقد أطلقتُ ضحكةً مسموعةً ثم التزمتُ الصمت، قالت إحداهما يبدو ساكتًا أجملَ منه مبتسمًا، سمعتُ كلمتَها فتلَّونَ وجهي وبادرتُ بغضبٍ مصطنعٍ ليتجهمَ وجهي، قالت الأخرى لصديقتها : انتبهي! يبدو إذا غضبَ مثل وحشٍ كاسرٍ وكأني لا أسمعهما بينما كلمتها قد دوَّتْ كالمطرقة، جلستا على مقعدٍ طويلٍ يبتعدُ عني بضعةَ أمتار، استدرتُ واتجهتُ نحو الشرقِ وظهري يتجه نحوهما، جاءني صغيرٌ يحملُ كوبًا من العصير، وضع يدَه على فخذي لينبهني وأنا غافل، نهضتُ أرتجفُ فقد فجعني بيده الصغيرة، سال بعضُ العصيرِ على طرفِ المقعدِ وَسلِمَ ثوبي الأنيق، قال لي الصغير ياخوَّاف وهما يسمعانه غارقتين من الضحك، اتجهتُ إليه وقبلتُه وأنا مبتسمٌ من أجلِ أن أطردَ حالةَ الرهبةِ التي داهمتْني أو قلْ من أجلِ أن أقولَ له إنني شجاع ، شربتُ العصير، يبدو أنه برتقالٌ ممزوجٌ بالليمون، لم أقل للصغير إنه عصيري المفضل، تركني واتجه نحو جارتيَّ الشابتين، رشفتُ آخرَ العصيرِ وأنا مستعجلٌ لا أريدُ مزيدًا من الإحراج، نسيتُ أن أُخرج من جيبي منديلًا لأُنظفَ شفتي ، ظهرتْ على فمي ابتسامةٌ جديدة ، غادرتُ المكان، اعترضتْني العجوزُ صاحبةُ العكازِ ثم استوقفتني تسألني هل أنا طبيعي؟ قضمتُ شفتَّي ثم أمسكتُ بعصاها ودنوتُ أقبِّلُ طرفَ العصا ممازحًا ، قالت لي : يبدو أنك أعمقُ من أن تكونَ مجنونًا، تركتُها تُتمتمُ والفتاتان تنظران إلينا، قالتا بصوتٍ واضحٍ وأنا أسمعهما : يبدو أنه سيعودُ ليبتسمَ من جديد ، لم تكونا تعلمان بأنني أرسمُ في خيالي صورةَ الفرح ، الليلةَ هي موعدُ عقدِ قراني.