محمد الرياني
التنورُ الذي صعد دخانه إلى أعلى أحرقَ كفَّ صاحبته، غادر مسرعًا واختفى بين السحاب، جاء مطرٌ عشيةَ ذلك اليوم فأغرقَ التنورَ والمساحاتِ من حوله، بقيتْ حبيسةَ المكان لتضمّدَ كفَّها المحروقةَ بخرقةٍ قديمةٍ كانت قد أخذتْ منها إطارًا لتغطي الفوهةَ الملتهبة، نضج الطعامُ وسطَ الغيماتِ الباردة، استغلتِ الموقفَ وعرَّضتْ يدَها للنسماتِ كي يبردَ ألمُ الكف، أحستْ بالراحة ونسيتْ ألمَ الاحتراق، رفعتْ كفيها تدعو عند الغروب، بقي بعضُ الألمِ في يدِها الحمراء ، أزالتْ ماءَ المطرِ الذي تجمَّعَ في غطاء التنور، خرجتْ مع رائحةِ الطعامِ رائحةٌ فريدة، أظلمَ المكانُ وله سوادٌ فاتنٌ بعد انقشاعِ السحاب، نادت على الصغارِ كي يتحلّقوا حولَ قرصانِ الخبزِ الأحمرِ والإدامِ الذي وضعتْه في إناءٍ حجري، أرادتْ أن تأكلَ فاشتدَّ الألمُ الساكنُ في كفها بعد غيابِ المطر، تسابقَ أبناؤها على إطعامها وهم ينفخون على مكانِ الوجع، أكلتْ وأكلوا معها حدَّ الشبع ، عاد السحابُ من جديدٍ ليُغرقَ التنورَ ويُطفئ الجمرَ الذي لايزال يستعر ، أرادتْ فعلَ شيءٍ كي تمنعَ المطرَ فمنعوها، أمسكوا بيدها واستمروا ينفخون على موضع الألم، رفعوا عنها بقيةَ الأكل، أوعزتْ إليهم بأن يحفظوا الخبزِ والإدامِ الزائد لأن الليلَ طويل، أغمضتْ عينيها وبضعُ قطراتٍ من السماءِ تهمي على جبينها، مدَّتْ ذراعها طمعًا في علاجٍ تتفضلُ به السحائب الباردة، فتحتْ عينيها، لمستْ موضعَ الألمِ وقد شعرتْ بالارتياح، زالَ بعضُ الاحمرار، تنفستْ وهي تنظر إلى الزاويةِ التي يسكنها التنور، ظلّتْ تحلمُ بمساءٍ جديدٍ تجلبُ فيه الحطبَ لتشعله من جديد، قالت في نفسها : لن أكررَ غلطةَ اليومِ بحرقِ يدي، أريد أن أُطعمَ صغاري بيدي كما فعلوا معي ليلةَ المطر.