رمضان شهر التعاون والتكافل

د. عبدالله بن معيوف الجعيد

يترقب المسلمون في هذه الأيام قدوم شهر رمضان المبارك، شهر الخير والبركات موسم الرحمات والطاعات، ليتزودوا فيه من الأعمال الصالحة والغنائم، فشهر رمضان هو الشهر الذي ترفع فيه الدرجات وتقال فيه العثرات ويستجاب فيه للدعوات، فتتضاعف الحسنات وتمحى السيئات.
وقد فتح الله عز وجل في هذا الشهر الكريم أبوابًا متعددة من الطاعات التي تتجلى من خلالها وحدة جسد الأمة الإسلامية، حيث شرع الله عز وجل من الطاعات والعبادات ما يعمق أسس التعاون والتكافل بين أبناء الأمة الإسلامية، وتسهم في تقوية الصلات والروابط بين مجموعاتها، وشهر رمضان هو شهر التضامن والتعاون والتكافل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان المبارك، فلم يرد رسولنا الكريم سائلًا قط، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالتصدق بشاة، فأخرجتها إلا كتفها، ولما عاد النبي سألها هل بقي منها شيئًا فقالت لم يبقى منها إلا كتفها، فقال صلى الله عليه وسلم بقيت كلها إلا كتفها، وذلك للتأكيد على حقيقة أن ما يبقى من الأموال والمتاع هو ما يتم التصدق به.
وشهر رمضان من المواسم المباركة التي تسهم في غرس وتقوية مفهوم التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم، ويظهر التكافل والتعاون بين المسلمين من خلال المساعدات والمساهمات التي يقدمها أبناء المجتمع المسلم لإخوانهم المحتاجين من المسلمين، ومثل هذه الأعمال تظهر وبصورة جلية في المجتمع المسلم في شهر رمضان المبارك، بالإضافة إلى المظاهر الخاصة بالمودة والرحمة بين الأصدقاء والأسر المسلمة والتي تشتمل على الكثير من المعاني السامية والمشاعر الراقية التي يسعى الإسلام إلى تأصيلها في نفوس أبناء المجتمع المسلم، كما يسهم التعاون والتكافل في تعزيز وحدة المجتمع المسلم وتقوية أواصر تكافله والروابط بين أبنائه، ويرجع اهتمام المسلمين بإشاعة مظاهر التعاون والتكافل امتثالًا لأمر الله عز وجل، حيث قال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
ومن أبرز صور التعاون والتكافل بين المسلمين في شهر رمضان تقديم الإفطار للصائمين، حيث يعتبر أحد أسمى صور التعاون والتكافل في المجتمع المسلم في شهر رمضان، وقد حثنا نبينا صلى الله عليه وسلم على تفطير الصائمين حيث قال: (من فطَّرَ صائمًا كانَ لَهُ مثلُ أجرِهِ غيرَ أنَّهُ لا ينقصُ من أجرِ الصَّائمِ شيءٌ)، ويتضمن هذا الحديث الحث على تقديم الإفطار للصائمين سواءً بالقليل أو الكثير.
ومن بين صور التعاون والتكافل التي تنتشر بين المسلمين في شهر رمضان تقديم الطعام للفقراء والمساكين، وقد وردت العديد من النصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية للحض على إطعام الفقراء والمساكين، ومما جاء في السنة النبوية في الحث على إطعام المساكين ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ لَيُرَبِّي لِأَحَدِكُمْ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؛ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي).
كما وردت العديد من الآيات التي تحض على إطعام المسكين وتحذر من إهماله أو منعه، فقد قال تعالى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)، وقوله سبحانه وتعالى: (كَلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ).
ويظهر التعاون على البر والإحسان جليًا بين المسلمين في شهر رمضان المبارك، فيتسابق المسلمون إلى فعل الخيرات والمسارعة في البر والإحسان ومختلف أصناف الخير ف…

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.