تأملات في قصيدة “ضدان”..للشاعر عبدالصمد المطهري

طارق يسن الطاهر
أقف هنا متأملا نصا باذخا، لشاعر مجيد، أما الشاعر فهو الأستاذ الشاعر والناقد عبدالصمد المطهري ، وأما النص فهو قصيدة بعنوان “ضدان” ، وهو عنوان يوحي بمضمون النص، ولا يفضحه ، وإنما يعطي المتلقي إشارات تدله على أنه موعود بنص، فيه اصطراع قوي ، ووجهات نظر متباينة ، ومواقف متعارضة .

هما ضدان ، وكما قيل :
بضدها تتميز الأشياء
والتضاد يبرز جليا في النص ؛ تفسيرا للعنوان ، بين “ضدان” بين “ائتلفا”

والنص يهب الأمل ،ويزرع التفاؤل ، حينما يقول الشاعر:
هي الحياةُ فلا تعجب لما عرضَتْ ما بين شقٍّ وشقٍّ عطرُ أنفاسِ

كذلك يقول ربما تصعب البدايات، ولكن النهايات أجمل ، وبعد العسر يأتي اليسر ، وبعد الضيق فرج ، وبعد المحنة منحة:

وأجملُ الوردِ بالأشواكِ محضَنَهُ أريجُهُ كم شفى من علّةِ الباسِ

ورغم المعاناة ، لكن شاعرنا يتشبث بحبال الصبر الوثيقة ، ويكبت آلامه ، ويبعث آماله:
وصبّرَ الروحَ كي يحيا بصحبتِهِ برغمِ ما مسّهُ من فرطِ أمواسِ

كما تتجلى روح البذل ، وتتأكد روح العطاء في هذا النص :
أغضى لعينٍ وأخفى ما يؤرّقُهُ صبَّ الأماني له ُ في كأسِ ألماسِ

يفوح عبير جمال النص ،حينما يُكثر الشاعر من الترادف بين كلمات مثل : أريج ، عرف، طيب ، وهذا ترادف محمود ، يبعث على تأكيد المعنى .

والنص يبدأ بالتضاد المعنوي والموقفي والشعوري، حينما يقارن بين من بذل قلبه، وأهدى شعوره بطيبة ، وأريحية نفس لآخر كان قاسيا ،لم يقدر ذلك:
كم طاب قلبٌ لقلبٍ عابسٍ قاسِ آواهُ في الرّوحِ في أعماقِ إحساس ِ

من الأساليب اللغوية التي اكتنز بها النص ،استخدام الشاعر “كم ” الخبرية التي تدل على الكثرة ؛ إذ جاءت في أربعة مواطن ، ومنها مرتان في بيت واحد :

يا للحياةِ وكم تُخفي بِمُهجَتِها كم عاش ضيقٌ بأُنسٍ دون وسواسِ

وهي أداة وردت في القرآن كثيرا ، ومن ذلك قوله تعالى : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)

كذلك ورد التصريع ، وهو توافق حرف الروي في الشطر الأول والثاني من البيت الأول:
كم طاب قلبٌ لقلبٍ عابسٍ قاسِ آواهُ في الرّوحِ في أعماقِ إحساس ِ

القصيدة جاءت على بحر البسيط الذي لديه يبسط الأمل ، بموسيقاه الهادئة الرقيقة ، وكأنّ الشاعر بحث في كنانة الخليل ، فوجد البسيط قادرا على احتواء دفعات الأمل العالية التي سكبها في نصه .

وبقافية سينية ، وحرف السين من حروف الصفير التي تؤدي إلى جرس موسيقي رائع يلفت انتباه المتلقي ويجذب حضوره.

التأثر بالقرآن بادٍ في نص شاعرنا، ومن ذلك استخدام كلمة وسواسِ ، وخناس ، وهي من قوله تعالى : ” من شر الوسواس الخناس”

أكثر الشاعر من استخدام الجمل الفعلية في نصه ، وذلك ضاعف من قدر الحركة والحيوية في الأبيات ، ولكنه لم يغفل الجمل الاسمية ، بل استخدمها بإتقان ومهنية شعرية عالية ، فحينما أراد الثبوت في المعنى كانت الجمل الاسمية ، ومنه :
طبائعُ الخلقِ في أقدار خالقها هذا شقيٌ وهذا خيرُ نبراسِ
وكذلك :
هي الحياةُ فلا تعجب لما عرضَتْ ما بين شقٍّ وشقٍّ عطرُ أنفاسِ
هنا ، لابد من الجملة الاسمية ؛ لأن المقام مقامها ، فهي التي تستطيع بيان تلك الطبيعة البشرية الثابتة، وتلك الحياة التي لا ينبغي العجب مما يحدث فيها .

ثم يختم نصه ببيت لخص فيه قناعته الإيمانية ، وهي أن الحياة لابد أن يكون فيها الاختلاف بين الناس ، وفكرة “ضدان” فكرة طبيعية حينما قال :
طبائعُ الخلقِ في أقدار خالقها هذا شقيٌ وهذا خيرُ نبراسِ
كانه يذكِّر بقوله تعالى : ” ولا يزالون مختلفين”

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

“التخصصات الصحية” تحصد جائزة «IHF» من بين 400 جهة عالمية

“التخصصات الصحية” تحصد جائزة «IHF» من بين 400 جهة عالمية روافدالعربية:واس حصدت الهيئة السعودية للتخصصات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.