جدلية الانتظار والتيه ..تأملات في نص “خاتمة تيه” للكاتبة وفاء سالم الغامدي

طارق يسن الطاهر

إنه نص بديع ، يعتلي أعلى منازل النثر الفني ، نص نثري يرتدي ثوبا شعريا ويتدثر بغطاء النظم المحكم.

استمعت لهذا النص صدفة في مساحة عبر تويتر ، وشدني وأدهشني ، وأنا أنحازُ للنصوص المدهشة مثل خاتمة تيه ، وجذبني بثرائه ، ولا أعلم عن صاحبته شيئا لكني طلبت النص فورا من مدير الأمسية لأتأمله .

نص يتحدث عن خاتمة ، والخاتمة خاتمة تيه ، بكل ما في التيه من ضياع، وعدم رشد ،وانعدام هدى ، ولكنه نص أهدانا المتعة، ومنحنا الإبداع.

بدأ النص من حيث انتهى ، فالخاتمة – كما هو معروف – تأتي في الآخر، لكن في هذا النص جاءت بدايةً.

أجادت الكاتبة في حشد المفردات التي تخدم المعاني؛ إذ اكتنز النص بالمفردات الدالة على الوقت، ومنها :
أزمنة ، الشروق ، الغروب ، ساعات … كما برزت مفردات المكان ، ومنها الطريق ، الوجهات … كذلك مفردات الطبيعة ، ومنها الديم، المطر، الطقس، أشعة…

بداية النص بديعة ؛ حيث قالت : في بحة صوتي أزمنة انتظارك

وظَّف النص فنون البلاغة ؛ حيث برزت صور بلاغية ، ترتقي بالنص إلى مصافِّ الشعرية ، ومن تلك الصور البلاغية :
الاستعارات في : زوابع الشوق ، تتعامد أشعة الحيرة ، خط التكهنات…

وتتلاشى الفوارق ، وتذوب المساحات حيث : المسافات هباء ويمتزج الطرفان؛ حيث لا مسافة بينهما فـ : أنت تلتصق بي كوشم
وهنا صورة جميلة بديعة حيث قالت : آوي إليك وأنا ملاذك منك
فهو الملاذ ، وهو اللائذ في الوقت نفسه، فهي ملاذه، وهو ملاذها ، فهما ملتصقان ، ألم تقل: إنه ملتصق بها كالوشم؟

كذلك أبدعت في قولها : قاب قبلتين أو أشهى ، واقتبسته – مع التحوير الموفق- من : قاب قوسين أو أدنى.
يبرز التضاد ، بين : غيابك ،عودتك ، ويؤدي دوره في توضيح المعنى
وكذلك السجع بجرسه الموسيقي بين : بك منك ، واحتراق وانعتاق

والترادف بين أحسك و أشعر ، وحقق الترادف مراده ؛ إذ أكد المعنى

كذلك استخدمت الكاتبة إشارات دينية في سياقات مختلفة : المصلين ،حائط المبكى، الأقصى ، خطيئة، مغفورة ..

صياغة النصوص النثرية في السرد ، تتأرجح بين ضمير المتكلم وضمير الغائب ، ونص ” خاتمة تيه” اختار ضمير المتكلم ، وذلك أبلغ هنا لتجسيد الشعور أكثر.

نلحظ بقوة كثرة الأفعال في النص ، والمعروف أن الأفعال تهب النص حركة دؤوبا؛ لأن الفعل يدل على الحدوث والتجدد.

هنا ستة عشر فعلا في نص قصير ، وكلها أفعال مضارعة ، ولذلك دلالاته، فالكاتبة لا تلتفت للذي مضى ، ولأنها ترقب القادم الآتي الجميل ، وأفصحت عن ذلك منذ البدء : عينان تحدقان في الطريق الذي سيحملك إليّ

تتعطل الحواس ويبقى الإحساس : أحسك ولكن لا أراك ولا أسمعك

هنا في هذا النص نجد الشوق مسيطرا ، فالانتظار القاتل مخيم ، وهو انتظار يُخشَى أن يكون مثل انتظار “بكت في انتظار غودو” الذي لا يجيء.

وما زالت العينان تحدقان في الطريق الذي سيحمله إليها.

 

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

“نطقت الرمال فتحرك الصوت” .. جلسة حوارية بجامعة جدة

عبدالله الينبعاوي _ جدة استضافت جامعة جدة أمس الثلاثاء ، الجلسة الحوارية التي نظتمها هيئة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.