اتحاد دول مجلس التعاون لتحقيق الأمن الخليجي ومواجهة التحديات

د .عبدالله بن معيوف الجعيد
تكتسب منطقة الخليج العربي أهمية استراتيجية كبيرة؛ وذلك لطبيعتها الجغرافية وما تمتلكه دول المنطقة من إمكانيات اقتصادية هائلة، علاوة على التنافس العسكري والسياسي المتصاعد في المناطق المحيطة بها، فجغرافية هذه المنطقة التي تمثل حلقة وصل بين القارات الثلاثة الكبرى، بالإضافة إلى إشراف دول هذه المنطقة على الخليج العربي الذي يمتلك أهمية كبيرة في الاتصال بالعالم الخارجي والذي جعل من هذه المنطقة مهدًا للكثير من الحضارات الإنسانية على مر العصور.

وقد شكل التشابه في الطبيعة الجغرافية والظروف الاقتصادية وطبيعة أنظمة الحكم والترابط الاجتماعي لدول الخليج العربي بالإضافة إلى التحديات المختلفة التي تواجهها دول هذه المنطقة أهم العوامل الأساسية لتأسيس مجلس التعاون الخليجي، فاتحاد هذه الدول ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي أصبح الصورة المثلى لوجود الدول الخليجية ، على الرغم من أن هذا الاتحاد تحت مظلة مجلس التعاون لا يعني عدم استقلالية الدول الخليجية من حيث التعامل مع مجتمعاتها الداخلية وما تمتلكه من ثروات، ولكنه يضمن درجة عالية من التوافق بين الدول الخليجية فيما يتعلق بالتطورات والصراعات الإقليمية والعالمية.

فقد باتت دول الخليج العربي من خلال اتحادها في مجلس التعاون الخليجي تمتلك سلوكيات محددة ومواقف مشتركة، يتم تحديدها بصورة مسبقة لتوجيه المواقف والسلوكيات الفردية لكل من هذه الدول، كما أن اجتماع هذه الدول واتحداها في صورة مجلس التعاون الخليجي كان أمرًا في غاية الأهمية نتيجةً لوحدة الشروط الجيوسياسية التي تفرضها عمليات إنتاج النفط ضمن حدودها، إضافةً إلى التشابه في أنظمة الحكم فيها، والوحدة التي تتصف بها هذه الدول في التوجهات والمواقف الاقتصادية والسياسية والدينية تجاه مختلف القضايا المحلية والإقليمية والعالمية.

ويعد الاتحاد الخليجي ضمن مجلس التعاون من التجارب الفريدة الناجحة على صعيد العالمين العربي والإسلامي، ويكرس هذا النجاح قدرة مجلس التعاون على الاستمرار وتعزيز التنسيق والتقارب بين دوله ومجتمعاتها، كما أن نجاح هذا المجلس في تحقيق التعاون في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين أعضائه والدول المحيطة به عربيًا وإقليميًا يعد نموذجًا يحتذى به على المستوى العالمي.

ولا شك أن التحديات الكبيرة التي أحاطت بالمنطقة الخليجية ومن بينها الحروب المختلفة التي شهدتها منطقة الخليج العربي كانت عاملًا مهمًا في اتحاد هذه الدول ضمن المجلس، فقد أنتجت هذه الظروف وغيرها الكثير من الاستحقاقات غير المتوقعة لدول الخليج العربي، الأمر الذي دفع هذه الدول لتعزيز التعاون الاستراتيجي والأمني فيما بينها، وذلك من خلال إيجاد عدد من المؤسسات والهيئات التي تهدف إلى تنمية التنسيق الأمني والاستراتيجي وصولًا إلى الدفاع المشترك، وقد نتج عن هذه الجهود تأسيس قوة دفاع مشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي تحت مسمى درع الجزيرة، والتي ضمت ما يقارب (7000) فردًا من مختلف الدول الخليجية، وقد قامت هذه القوات بالعديد من المناورات المشتركة مثل المناورة التي حملت اسم “صقر الخليج” والتي اشتملت على تدريبات قتالية تشمل مختلف الأسلحة، وقد استشعر مجلس التعاون الخليجي أهمية تشكيل هذه القوات وتطويرها وتعزيز التعاون الأمني والاستراتيجي وعبر عنه من خلال القمة الخليجية التي استضافتها البحرين.

ويمثل اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي التزامًا أمنيًا ودفاعيًا من الدول الأعضاء تجاه أي عدوان تتعرض له أي من هذه الدول، حيث إن العدوان الذي تتعرض له أي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي يعد اعتداءً على الدول الأعضاء مجتمعة، وقد تضمن اتحاد هذه الدول ضمن مجلس التعاون تحديد مختلف التهديدات المحتملة لكل من الدول الخليجية والتهديدات المشتركة للمجلس، وتضمنت كل من التهديدات الداخلية والإقليمية والخارجية، بحيث تشكل هذه التهديدات أهم أولويات التعاون بين الدول المتحدة في مجلس التعاون الخليجي.

ومنذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وحتى وقتنا الحالي شهدت منطقة الخليج العربي العديد من التحديات المشتركة من حيث المعطيات والمرتكزات والمحددات، وهو ما اقتضى وجود تحولات عميقة في طبيعة التعاون على المستوى الإقليمي بين دول الخليج والقوى العالمية المعنية بحفظ الأمن والاستقرار في دول الخليج العربي والمنطقة بأكملها، وهو ما يؤكد على أهمية وحدة دول الخليج وتعاونها من خلال مجلس التعاون الخليجي من أجل الوصول إلى آليات مناسبة لتدعيم الأمن والاستقرار في الخليج العربي.

وقد كان الاتحاد تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي الخيار الوحيد للتعامل مع الأخطار المختلفة التي هددت منطقة الخليج العربي والدول العربية ، و استشعر المؤسسون لدول الخليج العربي أهمية وحدة هذه البلاد واجتماعها في مواجهة الأخطار والتهديدات المحدقة بها، فقد اقترح قادة دول الخليج العربي في نهاية سبعينيات القرن الماضي اتحاد هذه الدول ضمن كيان خليجي يهدف إلى الوصول إلى أعلى درجات التكامل والتنسيق والترابط بين أعضاء في مختلف المجالات والميادين وصولًا إلى وحدتها، و اجتمعت إرادة مختلف دول الخليج العربي لتشكيل هذا الكيان الذي تم تسميته بمجلس التعاون الخليجي والذي ضم كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ومملكة البحرين ودولة قطر وسلطنة عمان، وقد كان مجلس التعاون الخليجي الجهة الخليجية الأبرز أمام مختلف التحديات والتهديدات التي واجهتها دول الخليج العربي منذ تأسيسه وحتى يومنا الحالي.

وقد أشاد العديد من الدبلوماسيين الدوليين باتحاد دول الخليج العربي ضمن مجلس التعاون الخليجي، فقد بين الدبلوماسي الكويتي والذي شغل منصب الأمين العام الأول لمجلس التعاون الخليجي أن تأسيس مجلس التعاون جاء بالدرجة الأولى لحماية الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي وخاصةً في ظل الظروف الإقليمية التي شهدتها المنطقة في فترة تأسيسه وفي مقدمتها اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، بالإضافة إلى صعود المشروع الرافضي وتمكنه من الحكم في الجمهورية الإيرانية، وللحفاظ على الطبيعة المتحفظة للدول العربية في الخليج العربي تجاه التيارات غير المألوفة التي شهدتها دول عديدة في المنطقة مثل العراق وسوريا والتي كانت تقود المنطقة إلى مستقبل مجهول.

كما أشارت كريستين ديوان الباحثة في معهد دول الخليج العربي في الولايات المتحدة الأمريكية أن تأسيس مجلس التعاون الخليجي جاء من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، ومواجهة التحديات المحتملة التي نتجت عن وجود أنظمة معادية في الدول المحيطة بالخليج العربي والتي كانت تسعى للتدخل في شؤونها الداخلية والتأثير في طبيعة أنظمة الحكم في دول الخليج العربي.

ولم تقتصر مزايا اتحاد دول مجلس التعاون على الفوائد التي جنتها الدول الأعضاء، بل إن اتحاد هذه الدول مثل قوة عربية وإسلامية كبيرة أثرت في العديد من القضايا التي شهدتها المنطقة العربية ودول العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط عامةً، حيث تصدر هذا الاتحاد الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية والعمل على حفظ حقوق العرب والمسلمين في مختلف أنحاء العالم، كما أسهم في حماية المجتمعات العربية والإسلامية من تدخلات الدول المعادية ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الدعم المادي والمعنوي الذي قدمه مجلس التعاون الخليجي للدول العربية والإسلامية في مواجهة الكثير من التحديات والتهديدات الخارجية والداخلية، وفي مقدمتها دعم القضية الفلسطينية.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.