العالم أجمع يحتفل بلغة الضاد تحت شعار “اللغة العربية والتواصل الحضاري”
بقلم الكاتبة / د. وسيلة محمود الحلبي*
شرف الله اللغة العربية بأن جعلها لغة القرآن الكريم، ولسان شرائعه وأحكامه، وتبيان حلاله وحرامه، وخزانة كنوزه وأسراه؛ قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. [يوسف: 2]
يحتفل العالم بأسره باللغة العربية في يومها العالمي تحت شعار “اللغة العربية والتواصل الحضاري” وذلك في الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام ، وللغة العربية أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي (لغة القرآن الكريم )، وتعد اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، وتعد اللغة العربية واحدة من أكثر لغات العالم انتشارا، بأكثر من 422 مليون ناطق من سكان المعمورة ، يمتدون على مساحة 14 مليون كيلومتر مربع، بحسب موقع الأمم المتحدة. وما زالت أصول العربية عصية على الباحثين، لسعة مفرداتها وغزارتها حيث تجاوزت 12 مليون كلمة، وكذلك لتعدد اللغات واللهجات والألسنة فيها، ومع انتشار الإسلام توسعت قاعدة العارفين باللغة العربية، فأصبحت لغة جامعة ومقصدا للباحثين والأدباء لتكون الأكثر ثراءً في حجم المؤلفات التي كتبت فيها وعنها، وواحدة من أكبر المكتبات اللغوية، في تاريخ العالم..
وقد وقع الاختيار على هذا التاريخ بالتحديد للاحتفاء باللغة العربية لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة وقد أبدعت اللغة العربية بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة، والشعر، والفلسفة، والغناء.
وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات. وتنضبط الكلمة العربية بالميزان الصرفي الذي يمكّن الأدباء من تحويلها إلى أبنية مختلفة باختلاف المعاني التي يسوقونها، ويثري الأداء البلاغي بأساليب جمالية متنوعة. ويزخر تاريخ اللغة العربية بالشواهد التي تبيّن الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، إذ كانت اللغة العربية حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة. وأتاحت اللغة العربية إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي. وشعار اليوم العالمي للغة العربية لهذا العام هو “اللغة العربية والتواصل الحضاري”، حيث يُعتبر بمثابة نداء للتأكيد مجدداً على الدور الهام الذي تؤدّيه اللغة العربية في مدّ جسور الوصال بين الناس على صهوة الثقافة والعلم والأدب وغيرها من المجالات الكثيرة .
وتتمثّل الغاية من هذا الشعار في إبراز الدور التاريخي الذي تضطلع به اللغة العربية كأداة لاستحداث المعارف وتناقلها، فضلاً عن كونها وسيلة للارتقاء بالحوار وإرساء أسس السلام ، وكانت اللغة العربية على مرّ القرون الركيزة المشتركة وحلقة الوصل التي تجسّد ثراء الوجود الإنساني وتتيح الانتفاع بالعديد من الموارد.ويكتسي موضوع عام 2021 أهميّة بالغة في كنف المجتمعات التي تتعاظم فيها العولمة والرقمنة والتعددية اللغوية، إذ يُسلّم بالطبيعة المتغيّرة للعالم والحاجة الماسة لتعزيز الحوار بين الأمم والشعوب. وتتميز اللغة العربية بنظام صوتي يدل السامع على معنى الكلمة ومدلولها بمجرد صوته وجرسه.
قال المستشرق الإيطالي أجنتسيو جويدي الذي أحب اللغة العربية وتعلمها وعلمها:
“اللغة العربية آية للتعبير عن الأفكار، فحروفها تنفرد بحروف لا توجد في اللغات الأخرى. أما مفرداتها فتميزت بالمعنى والاتساع والتعدد، ودقة تعبيرها من حيث الدلالة والإيجاز والمعاني”.هذه العبارة ، تلخص سحر اللغة العربية وتميز موسيقاها، وغنى مفرداتها، وجمال فنونها، وتعكس تقدير العالم للغتنا باعتبارها من أقدم اللغات وأكثرها انتشاراً، وتمتلك إرثاً حضارياً ومعرفياً ورصيداً إنسانياً عريقاً.
* سفيرة الإعلام العربي
*سفيرة السلام العالمي
*عضو الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب
* عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين