محمد الرياني
أَسَرَتْه ببعضِ رائحتِها، تحوَّلَ سريرُها إلى سجنٍ أبيض بلا أغلال، لم يستطعْ مغادرةَ السرير؛ فلا حرسَ ولا سياجَ يمنعانه من المغادرة، جلسَ وحيدًا بلا أنيسٍ في غرفتها ، تركتْ في الغرفةِ بقايا من عطرِها ورائحةِ شعرِها التي خرجتْ من جهازِ تسريحِ شعرها ، خابَ ظنُّه وشعرَ بالخيبة عندما سمعَ طرْقَ الباب، تأخرَ عنها وقد اشتدَّ الطرقُ لدرجةِ القهرِ عندها، قام نحوَها يمشي ببطء، وضعَ يدَه على المفتاحِ بتثاقلٍ وهي تسمعُ صوتَ حركتِه نحوَها ليفتحَ لها الباب، صاحت! مضى اليومُ وأنتَ تفتحُ الباب، اعتذرَ لها بأن المفتاحَ وجدَ صعوبةً في الحركة ، فتحَ لها وهو غارقٌ في الضحك ، لم تقتربْ منه واتجهتْ إلى غرفتِها لتستريح، وجدتْه قد أغرقَ السريرَ بالعطر ، لم تجد آلةَ تسريحِ الشَّعرِ في مكانها ، قالت له : كأنكَ عبثتَ بأشيائي، لم يقل لها بأنه لم يبرحِ السريرَ وأنَّ رسالةَ إشعارٍ وتنبيهٍ بعدمِ تكرارِ الغياب قد وصلتْه ، كتبتْ رسالةً على جهازِه وردَّتْ على العملِ بأن ظرفًا قاهرًا منعَه وسيكونُ على ما يرام يوم غدٍ ، طلبتْ منه أن يتركَ الغيابَ والدلالَ الزائد ، جلستْ إلى جانبِه وسحبتْ بعضَ مناديلِ الورقِ ورشَّتْ عليها من عطرِها ثُمَّ مسحتْ رأسَها وخديها وألقتْها عليه ، قالت له : لا تنسَ أن تضعَها في جيبِكَ وتحملَها معك يوم غدٍ، وسأكرِّرُ ما فعلتُه ولا تخبر أحدًا بأني فعلتُ معك هذا، سيكونُ عددُ المناديلِ أكثر.