محمد الرياني
قال لها : عُمْري!! فتحتْ ثغرَها من مفاجأةِ الوصولِ ولم تنتظره حتى يصل إليها ، قفزتْ بخفةٍ مثلَ فراشةٍ بيضاءَ واجتازتِ الفاصلَ بينهما وقد تجاوزَ ارتفاعُه نصفَها، تعلقتْ برقبتِه وانهالتْ عليه قُبلاتٍ ترحبُ به ، لم يُحصِ عددَ مراتِ قُبلاتِها ولم يجمعْ عدَدَ تراحيبها ، حمَلَها فكانتْ أخفَّ عليه من حَمْلِ مولود، جلستْ على كرسيٍّ أحمرَ من بقايا الذكريات وجلسَ مقابلًا لها وهي تقتربُ منه تارةً وتنسحبُ إلى الخلفِ تارةً خشيةَ أن ينزعجَ منها، ظلَّتْ تنظرُ إليه وهو يمسحُ على خدِّه ، همَتْ عيناها وهي تتساءل! كأنَّ مُخلَّفاتِ فمي ضايقتكَ ، وَجَّهَ رأسَه نحوَ صدرِه وأغمضَ عينيه وأغلقَ أنفه ، جاءتْ إليه معتذرةً وفي يدِها منديلٌ أحمرُ مثلَ لونِ وجنتيها ، ترَكَها تفعلُ ما طابَ لها كي يستمتعَ بلمسةِ يدِها ولا يزالُ يتظاهرُ بانزعاجِه، مسحتْ خدَّه الأيمنَ ثم توقفتْ ، قال لها :بقيَ الخدُّ الأيسر ، قالتْ باحتجاجٍ: إنَّ عدَدَ قُبلاتِ الخَدِّ الأيسرِ أقلُّ ولا ألحظُ عليه أثرًا، وضعَ يدَه بقصدٍ وتظاهرَ وكأنَّه يتحسسُ شيئًا، أمسكَ بيدِها وهي تحملُ المنديلَ وحرَّك يدَها روْحةً وجيْئةً على خدِّه حتى قال كفى ، جلستْ بجانبِه على المقعدِ وفخذُها على فخذه ، سحبَ منها المنديلَ ووضعَه على أنفِه، قالتْ هل نسيتَ الرِّيق؛ لقد لوَّثَ المنديلَ الأحمر ، ضحكَ حتى كادَ المقعدُ أن يُوقعَهما معًا، شمَّه بعُمقٍ وسألها! هل بقيَ على الطاولةِ مناديلُ حمراء ، قالتْ ماذا تريد؟ ردَّ عليها : أريدُ المزيدَ من بقايا استقبالكِ وهو يضحك، انطلقتْ مسرعةً وهو يناديها، أجابتْه : بأنَّ الطعامَ قد احترقَ ونحن نلعب ! لَحِقَ بها وأطفأَ الموقدَ ثم قادَها بيدِها واتجها للخارج، تركَ حقيبةَ السفرِ مُغلقةً في المدخلِ حتى يعودا من المطعمِ القريب ، لم يُخبرْها بنوعِ الهدايا التي أحضرَها لها ، كان من بينها فستانٌ يشبهُ لونَ خدَّيْها عندما استقبلتْه .