بقلم د.هيثم محمود شاولي
فى عصر التطور والتقدم والتكنولوجيا الحديثة ، أصبح دور الصحة النفسية يشكل أهمية قصوى في تقدم الدول لإعداد وتهيئة أجيال خالية من أى أضطرابات نفسية والتى حتما سينعكس إيجابًا فى تقدم الدول وفى نهضتها، وبالتالي إلى رفع إنتاجية الأفراد وتحقيق تنمية اجتماعية آمنة وناجحة،
إذ تعد مهمه للفرد فى فهم ذاته والقدرة على التوافق مع نفسه وشعوره بالسعادة مع النفس والآخرين، والقدرة على مواجهة مطالب الحياة وتكوين أسرة سليمة، والعيش فى سلامة وآمان، ومهمة أيضاً للمجتمع لآنها تهتم بدراسة وعلاج المشكلات الاجتماعية التى تؤثر على نمو الفرد.
ولنا أن نتصور كيف يكون الحال لو أنشأنا أجيالا مهزوزة و مكتئبة وتعانى من الخوف والقلق والتوتر والوسوسة ،و بالتالي فإن الصحة النفسية ستؤثر على الفرد والمجتمع سواء بالإيجاب أو السلب.
ولاشك بأن العلاج النفسي يعتمد على الطبيب النفسي والأخصائي السلوكي فكلاهما مكملان لبعض ، فالطبيب النفسي يعتمد علاجه على وصف الدواء الذي يساعد على تخفيف الأعراض الذى يعانى منها المريض النفسى،
أما العلاج السلوكي فيعتمد على جلسات استشارية تساعد المريض على التغلب على مشكلته النفسية وكيفية مواجهتها وذلك بتحفيز الإرادة الداخلية
ولاشك أن ضعف هذا الدور السلوكى أوجد ثغرة في استغلال البعض لهذه المهنة بفتح مكاتب فخمة للكشف على الحالات المضطربه وبأسعار خيالية ، وبعد ذلك يتم تقديم ورقة استبيان لتعبئتها وهى تحتوى على عدد كبير من الأسئلة ، وأيضاً بسعر اضافي وخيالي غير رسوم الكشف بدواعي ودوافع تحليل شخصية المريض وتقييم حالته ، وبعد ذلك يتم التعامل مع المريض بكل الأساليب الاستغلالية من أجل الاستفادة المادية ، وفي الأخير إما يقال له بأنه مسحور أو أن هناك عمل خفي أجري له ، أو أنه يعاني من الفوبيا والهلع بسبب صدمة ما فى حياته ، ويطلب منه بعمل بعض الوصفات الشعبيه مثل رش الملح إثناء الاستحمام بالماء البارد وغيرها ،وكثير مثل هذه الوصفات التي تعتمد على الاحتيال وتكون حصيلته فى النهايه استنزاف المريض بمبالغ كبيرة بمقابل فائدة وهمية قصيرة وتعود بعد ذلك حالة المريض كما هى.
وللأسف قد يلعب أحياناً ضعف الوعي وعدم الثقافة ووسائل التواصل الاجتماعى والقنوات الفضائيه دورًا كبيراً في إبراز نجوميه هذه الشخصيات الوهميه بتكريس صورهم واستضافتهم فى المقابلات الإعلامية.
فعند زيارة هذه الشخصية في مكتبه نجد كل أركان الجدران مزدهرة بشهاداته ، بينما هدفه وشعاره الذي يخطط له فى النهايه هو استغلال المريض وانتهاز فرص معاناته وإحساسه بعدم قدرته على انجاز مهامه وشعوره بالعجز ، فيتم شفط كل ما في جيوبه.
وما دعاني إلى كتابة هذه المقالة هو مع الأسف انتشار الاضطرابات النفسيه فى مجتمعنا بصورة ملحوظة لدرجة قد لاتخلو عائلة إلا بوجود حالة مضطربه قد تزعج وتعكر صفو العائلة.
وايضا لمست ذلك من تجربة كثير من الشباب الصغار الذين وهم فى مقتبل العمر وفى عمر الزهور ويحتاجون إلى أشخاص مخلصين وأمناء تأخد بايديهم وتساعدهم فى تخطي الصعاب والصدمات ، ويعبروا بهم إلى شط الآمان ليكونوا قدوة وأعضاء صالحين ومنتجين سواء على مستوى أسرته ومجتمعه .
أخيرًا.. لا أخفي أن هناك شخصيات نفسية ممتازة تتعامل مع الاضطرابات النفسية التى لا تحتاج إلى التدخل الدوائي بل إلى جلسات نفسية ومصارحة تعزز في دواخلهم الإرادة والقوة والعزيمة بمنظومة علمية وأساليب نفسية هدفها علاج المريض النفسي وتعزيز ثقته بنفسه وإبعاده عن شبح المخاوف وأمراض العصر ومنها القلق والتوتر والاكتئاب ، وتقوية علاقته بالله عزّ وجل وزيادة إيمانه وتقوية الطاقة النفسية لديه ، ويقدمون خدماتهم الاستشارية برسوم رمزيه وفي متناول الجميع بعيداً عن الدجل والنصب والاحتيال.
وأخيرًا.. فأن الفرد الذي يعاني من الاضطرابات النفسية التي لا تستوجب الدواء من حقه أن يجد الشخص المناسب الذي يقف بجواره وينهي معاناته ، وهذا ما ارجوه أن تهتم به القطاعات الصحية في مملكتنا الغالية لأن هناك نقص في هذا المجال ، وهذا مما ساعد على لجوء شريحه كبيرة من شبابنا إلى هذه الشخصيات الوهمية التى ذهب ضحيتها كثير من أبناءنا.
والله من وراء القصد