محمد الرياني
يَسألون!!
لماذا باعَ حمارَه؟
أليسَ هو مصدرَ رزقه؟
أليسَ هو الذي يحملُ عليه العلفَ ليطعمَ خرافَه؟
باعَ حمارَه وعادَ من السوقِ ماشيًا؛ لسوء حظِّه انقطعَ شراكُ حذائِه في الطريقِ فتسلختْ قدمُه اليسرى من الرمض، ظلَّ صدى صوتِ حمارِه يترددُ في أذنه، ليتني لم أحققْ رغبتي وأبعْه.
ظلوا ينتظرونَ عودتَه من السوقِ ويمطرونَه بوابلِ أسئلتِهم وفي أذهانِهم تساؤلات كثيرةٌ وشائكة.
-لعلَّه ألقى أحدَ أبنائِه من على ظهرِه وهو يردُ البئر.
-قالَ بعضُهم لقد رأيتُه يشربُ وهو يُخرجُ الماءَ من فتحتيْ أنفِه.
– قالتْ إحدى الوارداتِ على البئر؛ كأنكم لم تسمعوا عن الجرتينِ اللتينِ كسرهما وهو يطاردُ إحدى الحميرِ الإناث ، ضربوه على مؤخرتِه فاستشاطَ غضبًا ثم أثنى قائمتيه وألقى بالجرتين وفاضَ الماءُ على طريقِ الحمير.
عاد صاحبُ الحمار ولايزالون على البئرِ يسألون عن الحمار، من حُسنِ حظِّه أن أهلَ السوقِ عادوا مبكرين على ظهرِ مُوترٍ قديمٍ من موديلات ٥٣م لونه أخضر، ركبَ معهم وقد أنهكَه الظمأُ والرمض، وجَدَ في الطريقِ حمارًا بلا رَحْلٍ على مقربةٍ من البئر، ظلَّ يسوقه مرةً ومرةً يركبُ على ظهرِه بلا رحل، اقتربَ منهم وهم يتهامسون : عادَ بحمارٍ أشهب، اقتربَ أكثر، لم يسألوه عن سببِ بيعِه للحمار، سألوه عن ثمنِ الحمارِ الجديد ، اقتربَ من البئرِ ثمَّ رشَّ قدميه بالماء كي تبردا، هربَ الحمارُ الجديدُ بعدما شربَ من الحوض، رفعَ حافريه في وجوهِ الذين يردون البئرَ وأطلقَ صوتَ استفزاز ، عادوا يسألونه عن السببِ الذي باعَ من أجلِه الحمار، اعترفَ بأنَّ شِراكَ حذائه سينقطعُ عما قريبٍ وسيجلبُ آخرَ بديلًا، لم يصدقوه، أكَّدَ لهم أنه عندما استلمَ القيمةَ ورأى الحذاءَ لاتزالُ سليمةً طمِعَ في المبلغ، سألوه عن الحمارِ الهارب، فانبرى أحدُ القادمين يسألهم عن حمارٍ أشهبَ ضائع، قال له وهو يقطعُ مِزقةً من جلدِ دلوٍ قديمةٍ مرميةٍ على الأرضِ لإصلاحِ نعله : لقد ملأَ حمارُك جوفَه بالماءِ وغادرَ قبلَ قليل، عادَ إلى البيتِ بحذائه القديم ، فتحَ حزامَه ليعدَّ النقودَ فلم يجدها، اكتشفَ أنَّ حزامَه مقطوع، طلبَ ماءً من الجرَّةِ الباردةِ فأجابوه بأن الماءَ نفدَ من البيت، حمَلَ الجرَّةَ على كتفِه واتجهَ صوبَ البئر، انفصلَ عنقُها عن جسدِها وسقطتْ على الأرضِ شظايا، جلسَ على قارعةِ الطريقِ ينتظرُ مَن يسقيه .