محمد الرياني
لا تتذكرُ القريةُ متى حدَثَ هذا تحديدًا ؛ لكن بعضَ أهلها لايزالون يتذكرون الحَمَلَ الأبيضَ الملطَّخَ بالسوادِ الذي ولدتْه نعجةُ (آمنة أمْ علي) ، وتذوقَّ جيرانها من اللبأ الذي أطعمتْهم منهم؛ هم الذين أشاعوا الخبر ، الحَمَلُ الصغيرُ خرجَ نشيطًا ولم يرَ أباه الذي تزاوجَ مع أمِّه في لحظةٍ هانئةٍ ربما في المرعى أو في الحظيرةِ الخضراءِ على العلفِ الذي جادتْ به الأمطارُ في ذلك العام، لم ينتهِ الفرحُ بالمولودِ الجميلِ حتى دُعيَ أهلُ القريةِ الصغيرةِ إلى وليمةٍ في منتصفِ النهار، جميعُهم رأوا بَنَّاءَ العُشَشِ وهو يعلنُ بصوتِه بأنَّه ربطَ آخرَ حبلٍ على ظهرِ العُشَّةِ التي تتسعُ لثمانيةِ أَسِرَّة، فرحةٌ عارِمةٌ عاشَها أهلُ القرية، انتظروا صحنَ الأرزِ الذي يتزيَّنُ بحبَّاتِ الفاصوليةِ الخضراءِ الذي تشتهرُ بها فاطمةُ أم يحيى، وقِدْرَ الدَّقيقِ الحجري بالسمنِ من بيتِ قاسم علي ، و أقراصَ الخُبزِ الأحمرِ من تنانيرِ المجاورين، تناولوا الطعامَ ودخَلوا العُشَّةَ والنسيمُ الجنوبيُّ يهفهفُ على جِباهِهم السمراء، وأسنانُهم تكادُ تخرجُ من الفرح، سَرْوا في ليلِ ذلك اليومِ يحتفلون بزواجِ يحيى بن أحمد خلفَ الجَمَلٍ المُحمَّلِ بالكساوي ومشوْا وراءَه في ليلةٍ قَمَريَّةٍ حتى وصلَ إلى دارِ العروسِ وهم يَتْبعونه ، بركَ الجملُ على الرملِ وغطارفُ النساءِ تطوفُ حولَه وهنَّ يُرددنَ بَرَكْ والله مابَرَكْ، بركْ وعلى الله الدَّرَك ، ولَّتْ تلك الأيام بعدما دُفنتْ أغلبُ تفاصيل أعوامها تحتَ الترابِ بما فيها الأيدي التي صنعتْ طعامَ العشةِ أو تلك التي استخلصتِ اللِّبأ، لم يبقَ من الألسنُ التي زغردتْ إلا لسانٌ بلا أسنانَ حوله فلمْ تحضرِ الأنغام، دفنوا الأسنانَ التي كانت تلمعُ بياضًا من الفرحِ في ذلك اليوم.