بقلم:
إبراهيم العسكري
تتفاوت مشاعر الناس وطباعهم وسلوكياتهم واهتماماتهم ومن النادر جدآ أن تتفق صفات اثنين من خلقه أو قد تنعدم كلها وسبحان من له الأمر والتدبير في جملة مخاليقه..!!
تجمعنا الصدف في حياتنا أحيانآ بأناس يكون لهم قبول وإعجاب بشخص ما وشخصيته ربما من الوهلات الأولى في اللقاء فيمنحنا طاقات إيجابية وعلى المدى الطويل نستقي منهم الحب والوفاء والكرم وحب العطاء والخلق الحسن وجميل العمل ، وقد يدعمون تثبيت تلك السجايا الحسنة التي تحتاج ممن يفتقدها التدريب لتطوير الذات لنقل فضائلها في ذواتنا إلى جانب الجرأة على اتخاذ القرار في نثر مشاعر الحب لعلنا نستمد منهم السلوك الإيجابي بما يغرسون من فضائل حسنة فتكون صفة نكتسبها من عطاياهم حتى نؤصلها بسلوكنا ضمن الصفات العليا الحميدة…!!
الابتسامة والأخلاق الحسنة إلى جانب التقدير والاحترام بالمثل العليا من النادر أن تجتمع في شخص بحكم الطبيعة البشرية المتقلبة في المزاج سواء كان من ذوي القربى أو ممن نلتقي بهم في مشوار الحياة ، وفي نظري إذا اجتمع غالب تلك الصفات الحسنة العليا كما رأيت غالبها في مضيفنا بالأمس فربما ذلك نتاج فن عظيم واقتدار تربى عليه ويمنحه الله من يشاء فلا يجيده إلا من كان موفقا وذو حظ عظيم..!!
ارتحلت يوم أمس بعد أداء صلاة الجمعة بصحبة ثلاثة من جيراني الأعزاء بحينا خالدية أبها، متجهين إلي محمية ريدة الأثرية ذات المكانة التاريخية العظيمة في بلادي ، بالتنسيق مع جارنا أبو أحمد الذي يملك مواقع بتلك المحمية والذي أبلغ أحد جيرانه في المحمية لزيارتنا له دون أي تكاليف..!!
كنت وجاري منسق الرحلة اعتدنا على زيارة المحمية في فترات متفاوتة، لكن زيارتنا هذه من نوع خاص فقد وفقنا الله بانتقاء طاقم الرحلة الأربعة بانسجام منقطع النظير فكنا نضحك طوال الرحلة ونمزح ولا نخلو من بعض المقالب البريئة..!!
المذهل في رحلتنا ذلك الرجل العظيم الذي التقيناه في استقبالنا فقد كان هو وأبناؤه شعلة من مشاعر حسن الاستقبال فقد أعادوا لذاكرتي عفوية كرم الضيافة لعقود مضت ملؤها الترحيب الوافر إلى جانب ابتسامة الرضى التي يتجلى فيها صدق الشعور غير المزيف وبكل أريحية فشعرنا اأن مستقبلينا في محميتهم ريده هم الضيوف ونحن أهل الدار…!!
بعيدآ عن أي مجاملة كنا في ضيافة رجل نادر الصفات بهذا الزمن الممتليء بالصراع والصراخ والسرعة فلم أشهد مثله في حسن الاستقبال ورحابة الصدر ، فهو مبتسم بصدق على طول الخط ويتحلى بخلق عظيم وثقافة عامة بإلمام تاريخية وجغرافية وأدبية وشعرية وحفظ لمخزون هائل من الموروث الشعبي بالقصة والقصيدة في غاية الروعة ، ناهيك عن كرم حاتمي لم يقتصر على هذا العملاق وحده فكان أبناؤه يدعمون إلى جانب والدهم بكل الحب والرضى الواضح للجميع أمام العيان..!!
كنت أظن مخطئا أنه لم يعد هناك وقت لما كنا نعيشه في الماضي من الرحابة والمصداقية التي كنا نعهدها في الاستقبال والحفاوة فنستشعرها بحب قبل وسائل التواصل الداعية للتباعد للأسف…!!
بالفعل التقينا برجل عظيم من دهاة الرجال فكان بمنتهى الرحابة ويحسن إذابة الحواجز عاجلآ ويشرح الصدر بترحيب مخجل للمتلقي وابتسامته ملء فيه..!!، يتحلى بالتواضع والبساطة والأريحيه فيتعامل معنا بكل هدوء وكأننا نعرفه من سنين..!!
قدموا لنا سفرة العصرية ملؤها القهوة الشقراء وأقراص البرالحمراء الساخنة بجانبها كاسات من أحمر العسل المصفى والسمن الذهبي المرظوف والماء الزلال ولبن لم يتسنه غالبها من منتوج محمية ريده وبآياد مبدعة كريمة من أهل الدار..!!!
بعيد ذلك صعدنا الجبال بسيارة مضيفنا للتعرف على القصور العظيمة المنشأة بقمم تلك الجبال وبأسماء اختارها أهل البناء برموز عليا وتحير كل من يراها كيف لهم البناء والتشييد منذ مئات السنين بالقمم وكيف تم نقل المؤنة والعتاد..!!
لم يتوقف شرح مضيفنا ولم نمل حديثه وشعره العذب فهو يحمل إلى جوانب الحديث ملء الحواشي بالمزح البريء والنكتة الحاضرة الممتعة وكلامه لا يمل أبدآ..!!
أما المسجد الجامع لقرى ريده الذي صلينا فيه المغرب فكان تحفة معمارية عظيمة بما يحمل تشييد مزخرف بمراكب وسواري ومعادل من شجر العرعر بشكل هندسي فائق الإبداع وبعمر يتجاوز ثلاثمائة عام فأي تصميم وأي إبداع في زمنهم..!!
حدثنا المضيف بمعاناة أهلهم وذويهم ممن عاش بتلك الجبال الشاهقة العظيمة ، ويتحسر على تعبهم فحينما صفا لهم الجو رحلوا..!!
وصفهم لنا فكأننا رأيناهم أمامنا..!!
أضاف لنا قصص أخيه الراحل وإنه لم يكن أخآ لهم فحسب بل كان أبا روحيا لهم جميعآ وفقده عليهم عظيم..!!
مضيفنا لديه ولاء عظيم لموطنه الذي بدأ خدمته فيه من مطلع عام ١٣٨٧هـ عسكري بقوات الدفاع الجوي حتى تقاعد برتبة رئيس رقباء.
حدثت أخي علي عبدالله القشر العاصمي عن زيارتي لهذا الرجل الهمام لأنه يعرفه ويذكر محاسنه دومآ فأضاف لي ما أدهشني عنه وإنه يجيد اللغة الانجليزية بطلاقة بحكم عملة وتلقى ابتعاث ودورات مكثفة ، وإن له مساعي في إصلاح ذات البين ولم الشمل لما يحمل من أسلوب مهذب ومقنع ويلقى القبول في الغالب وشغوف بإحياء التراث وله دور في لم الزملاء المتقاعدين من أنحاء المملكة والجمع بهم كل عام، وساهم في تأسيس نواة النخبة للموروث باجتماع شهري لأكثر من خمسين شخص من عسير سراة وتهامه.
كما حدثني عن إخوانه الذين يحملون غالب الصفات اكبرهم (علي) الذي تقاعد برتبة مقدم رحمه الله.
ثم (عبدالله) أبوتركي رجل أعمال بشوش حسن الخلق لم تغيره الثروة ولم يبخل بها، ثم(يحيى) الأصغر تقاعد برتبة عميد من القوات البرية.
انتهت إضافة أخي القشر وقد اختصرتها لنعود لرحلتنا..!!!
آثناء مشوار العصرية بجبال ريدة أشار مضيفنا أبو هيف من قرب لمكان حفل الختان له ولاقرانه من أهل الوادي حينما قال إنهم غرسوا في أنفسهم بنج محسوس بكثر الكلام المتكرر بأنهم لن يهتزوا ولن يرمش لأي منهم عين كطبع الرجال وبالفعل لم يشعر بألم في حينها لكن أيام تلت كانت قاتلة من الآلام وعلاج قاصر جدآ فتألمنا من شدة الوصف..!!
عدنا بعد المغرب لبيت الكرم الذي أعدوا لنا به القهوة والشاي قبل سفرة خروف العشاء الفاخر إلي جانب صحون تابعة بأروع الملذات فلهم بعد شكر الله الشكر والتقدير والعرفان ..!!
تمام التاسعة والنصف مساء ودعناهم بكل الحب على أمل اللقاء الذي تواعدنا به إن شاء الله لاحقآ..!!
لست وحدي من قال إن مضيفنا من دهاة الرجال فقد توحد رأينا الأربعة أنه يتصف بأكثر مما أشرت له وإنه من رماح القوم وهو الأخ العزيز الشهم/محمد أحمد علي آل مسفوه العسيري ابو هيف. يعود فخذه إلى آل فلاح من مواليد قرية السقا ببلاد بني مغيد عسير.
رجل بمئة رجل وسبحان من يعطي الخلق الرفيع وحسن المشاعر ويمنح القبول..!!