المكتب الثقافي المصري بالرياض يناقش “أزمة القراءة في الوطن العربي”
روافد العربية / د. وسيلة محمود الحلبي
أقام المكتب الثقافي المصري بالرياض يوم أمس الأربعاء الثاني والعشرين من سبتمبر 2021م، ندوة ثقافية نقدية بعنوان “واقع القراءة في الوطن العربي”، برعاية السفير أحمد فاروق سفير جمهورية مصر العربية بالمملكة العربية السعودية، وتحت إشراف الأستاذ الدكتور عمرو عمران الملحق الثقافي ورئيس البعثة التعليمية المصرية بالمملكة.
وقد تناولت هذه الندوة التي حضرها السفير الدكتور إيهاب عبدالحميد القنصل العام لمصر بالسعودية، ونائب السفير المصري الوزير مفوض ضياء حماد، وحضرها حشد من المثقفين المصريين والعرب، عددا من المحاور الثقافية المتعلقة بواقع القراءة في عالمنا العربي، حيث شارك فيها من مصر الأستاذ الدكتور أبو المعاطي الرمادي أستاذ الأدب والنقد الحديث، ومن السعودية الأستاذ الدكتور سعد البازعي أستاذ النقد والأدب الإنجليزي المقارن، حيث بدأت الندوة التي أدارها الشاعر والكاتب الصحفي السيد الجزايرلي، بكلمة ترحيبية للأستاذ الدكتور عمرو عمران أشار فيها إلى أن هذه الندوة تناقش قضية من أكثر القضايا الحيوية في الوطن العربي، وهو موضوع “القراءة”، موضحاً أن المكتب الثقافي المصري بالرياض يحرص دائما على تقديم أنشطة ثقافية نوعية، كما يحرص على مشاركة الأشقاء السعوديين والعرب في الأنشطة الثقافية التي يقيمها لإثراء الحوار وتعزيز التبادل الثقافي، وإعلاء قيم الأخوة والتواصل بين الأشقاء العرب، وأكد الدكتور عمرو عمران أن قضية القراءة في العالم العربي تحظى باهتمام كبير، ليس فقط على مستوى المؤسسات الثقافية أو التعليمية، بل على مختلف المستويات والفئات الاجتماعية في وطننا العربي الكبير، ونظرا لأهمية هذه القضية استضاف المكتب الثقافي المصري بالرياض اثنين من كبار النقاد في مصر والسعودية لمناقشتها من خلال هذه الندوة التي تأتي في سياق سلسلة متواصلة من الندوات التي ينظمها المكتب ضمن برنامجه الحافل بالأنشطة المميزة التي تثري الواقع الثقافي من جهة، وتناقش القضايا الحيوية في عالمنا العربي من جهة أخرى. وقد طرح الشاعر السيد الجزايرلي أثناء إدارته للندوة عددًا من علامات الاستفهام المتصلة بقضية القراءة كمحاور أساسية لمناقشة القضية، متسائلاً عن أزمة القراءة في الوطن العربي، وعن أسبابها وطرق علاجها، والدور الذي يجب أن تقوم به المؤسسات الثقافية لمعالجة الآثار السلبية المترتبة على هذه القضية.
ومن جانبه؛ أوضح الدكتور سعد البازعي أن قضية القراءة في الوطن العربي أثيرت بصورة كبيرة عندما صدرت إحصائية الأمم المتحدة التي تضمنت أرقاماً مخيفة عن واقع القراءة في العالم العربي، وأشارت إلى أنها في وضع سيء جدا، ولكن اتضح بعد ذلك أن هذه الأرقام لم تكن دقيقة، بل كانت خاطئة، فالإحصاءات بما تحمل من أرقام لافتة تظهر عادة في الواجهة، ولكنها بصفة عامة تحتاج إلى الكثير من التروي والتدقيق، وهذا لا يعني عدم وجود مشكلة، وإنما يعني أن الأمر ليس بالسوء الذي أظهرته الأرقام، وقال الدكتور البازعي هناك الكثير من المؤشرات الإيجابية المغايرة لنتائج هذه الإحصاءات، وقد ظهرت خلال السنوات الأخيرة بعض المبادرات المهمة في هذا الجانب، وهي إن لم تكن بالقدر الذي نتمناه، إلا أنها تعطينا مؤشراً على أن واقع القراءة في العالم العربي يتحسن، وأن المؤسسات والحكومات العربية تدرك الآن أننا أمام واقع ينبغي معالجته، واستشهد الدكتور البازعي بمبادرة “القراءة للجميع” في مصر، وإلى مشاريع مشابهة أقيمت في السعودية والإمارات، كما استشهد بكتاب “واقع القراءة الحرة في المملكة”، الذي أصدرته المجلة العربية قبل عشر سنوات، وهو كتاب دراسة علمية قام بها عدد من المتخصصين، وتشتمل على معلومات مهمة عن واقع القراءة في المملكة وبعض الدول العربية الأخرى من بينها مصر.
وأكد الدكتور البازعي أن العالم العربي برغم وجود مثل هذه المبادرات؛ لا يزال بحاجة إلى الكثير من العمل الجاد في هذا الاتجاه؛ لأننا حتى الآن لا نملك مؤسسات متخصصة تعنى بالقراءة، ففي دولة مثل فرنسا على سبيل المثال هناك مؤسسة اسمها “القراءة الوطنية”، مهمتها الأساسية متابعة وضع القراءة، وهي تصدر تقارير دورية عن كل ما يتصل بالقراءة في المجتمع الفرنسي، وإلى جانب فرنسا بالتأكيد هناك الكثير من الدول الأوروبية التي تعنى بهذه المسألة.
وحول نوعية القراءة في الوطن العربي قال الدكتور البازعي: بالنظر إلى الإحصاءات التي ترصد الكتب الأكثر مبيعا في العالم العربي، يمكننا التعرف على أحد المؤشرات المهمة لنوعية القراءة التي يتجه إليها الناس، وسنكتشف أن الناس يقرأون الأسهل والأمتع وليس المفيد والأعمق، وأن معظم الكتب التي تحقق انتشاراً واسعاً تقع في دائرة تطوير الذات، وهو أمر منتشر ليس فقط في العالم العربي، بل في مختلف دول العالم، وسنجد أيضا أن معظم هذه الأعمال كُتبت خصيصا لتحقق هذا الغرض، لأنها تخاطب القارئ المتوسط ولا ترهق الذهن كثيرا، وبالتالي فإن الأعداد الكبيرة للقراء أو الانتشار الكبير لبعض الكتب لا يعطي بالضرورة مؤشرا على وجود وضع جيد لواقع القراءة، فالإحصاءات والأرقام تبدو مضللة أحيانا، وعلينا أن نتحرى الدقة في المعلومات الإحصائية، وخصوصا التي تنتشر عبر وسائل التواصل الحديثة، ومنها الواتساب الذي يلعب الآن دورا خطيرا في إشاعة المعرفة الوهمية.
علينا أن نعترف بوجود أزمة
أما الدكتور أبو المعاطي الرمادي، فقد اتفق مع الدكتور البازعي على بعض النقاط، واختلف معه حول بعضها الآخر، حيث يرى أن قراءة تحصيل المعرفة لا توجد فيها أزمة لسهولة تداول المعلومات في الوقت الراهن، فهناك وسائل سمعية وبصرية لا تتطلب جهدا كبيرا في الحصول على المعلومة، ولكن قراءة الاطلاع والتثقيف هي التي يوجد بها أزمة حقيقية لابد أن نعترف بها، والدليل على ذلك أن من هم دون الخامسة والثلاثين تقريبا لا يقرأون، ويحصلون على المعلومة من خلال وسائل الاتصال الحديثة.
وأضاف الدكتور الرمادي أن بعض من يحللون أسباب مشكلة القراءة يرجعون السبب للظروف الاقتصادية، وهذا غير صحيح لأن الشاب العربي الآن قد يدفع آلاف الجنيهات لشراء هاتف جوال ولا يدفع عشرات الجنيهات لشراء كتاب، فهناك عوامل أخرى أكثر أهمية من العامل الاقتصادي وأولها عامل الأمية التي ما زالت منتشرة بصورة كبيرة في العالم العربي، ففي الوقت الذي نسعى نحن فيه لمحو أمية القراءة والكتابة تسعى الكثير من دول العالم لمحو الأمية الإلكترونية، وعلينا أن نعترف بأن طبيعة التعليم التلقيني في الوطن العربي من أهم أسباب هذه الأزمة، مشيراً إلى أن التجربة الحديثة التي طبقت في التعليم المصري هذا العام تجربة رائعة وسيكون لها تأثير إيجابي كبير في المستقبل، فالطالب المصري سيتغير فكريا، وطبيعة الحياة في مصر ستتغير بشكل كبير بسبب هذه التجربة المهمة التي تحتاج لبعض الوقت حتى تحقق أهدافها.
وقال الدكتور الرمادي: إن كان الدكتور البازعي يرى أن الإحصاءات العالمية لا تعكس الواقع الفعلي للقراءة في العالم العربي، وأنا أتفق معه في ذلك، ولكني في نفس الوقت أطالب بأن نضعها أمامنا عندما نتحدث عن أسباب هذه المشكلة في واقعنا العربي، فهي إحصاءات مرعبة ومخيفة ولابد أن نأخذها بعين الاعتبار أثناء بحثنا عن حلول لقضية القراءة، ويرى الدكتور الرمادي أن إعادة القراءة إلى وضعها المأمول في الوطن العربي يتطلب حملات قومية تروج للقراءة وتعزيز أهميتها للفرد والمجتمع، مؤكداً على ضرورة وضع برامج منهجية لطلاب المدارس والجامعات تلزمهم بالقراءة للحصول على بعض الدرجات مثل التي يحصلون عليها مقابل الأنشطة الرياضية، وكذلك ربط ترقيات الموظفين باختبار في الثقافة العامة كتحفيز إجباري على القراءة، بالإضافة إلى تعزيز المسابقات الخاصة بالتحفيز على القراءة، ودعم الكتاب من قبل المؤسسات الثقافية بصورة مباشرة أو غير مباشرة كما يحدث في الكتب التي تصدرها هيئة قصور الثقافة، وهيئة الكتاب، والمجلس القومي للترجمة، والمجلس الأعلى للثقافة.
وقد اشتملت الندوة على فقرة حوار مفتوح بين المشاركين والحضور، تضمنت عدداً من المداخلات المهمة للدكتور على حنفي، والدكتور حسن الجراح، والدكتورة نورة موسى، والمهندس حسني أبو الفضل، والكاتب محمد حلمي الحساني، والدكتورة حنان عبد الحافظ، وغيرهم من الحضور الذين أثروا الندوة، وأثاروا المزيد من الأسئلة حول واقع القراءة في العالم العربي.