بقلم/ عبدالله بن حمدان الفارسي..سلطنة عمان
لأنني لا أشكو بثي وحزني للبشر، ولأنني في تصورهم الباطن لا أحتوي مشاعر كالتي يتباهون ويتناشدون بها أمامي ومعي، ظنا منهم (البشر) أن عظمتي وهيبتي قد جردتا مني المشاعر تجريدا تاما لا شكوى ولا بكاء ولا ألم سوى الجبروت والبطش والهيجان، وحتى في سكوني وصمتي التقرب أو محاولة سبر أغواري مغامرة غير مأمونة.
الأمر الذي صنفني ووضعني في خانة اللاشعور في مخيلتهم، وبالرغم مما ذكرت إلا أنني أبقى لدى البعض عالما من الإلهام، ومتنفسا لمن ضاقت عليهم الأرض، وأوصدت نوافذ الأمل في صدورهم، ومنظراً خلابا يبهر الألباب.
ومع ذلك ستظل التساؤلات المتراكمة المتثاقلة تجثو على صدري تبحث في دهاليز الزمن المتعاقبة المتوارثة عن بارقة أمل للعثور على إجابة في مفردة عابرة من هنا أو ساقطة من هناك أو ربما آتية من ذاك، لعلها تُسمع من يبث هواجسه وآلامه لي، ويتمايل طرباً على نفحات أحزاني.
بهذه الهمسات التي أشنفت مسامع قلبي وقضّت مضاجع فكري، وأقلقت مهد سريرتي استفزتني مكوّنات وتركيبات هذا الهاجس الخفي الذي سرعان ما بث الرعب والطمأنينة في آن واحد في نفسي، حينها وبتدرج عودة الاسترخاء الذهني وانشراح العمق الداخلي، أدركت مصدر انبعاثه حيث لا أحد سوانا في تلك البقعة المنحصرة على مد نظري، إلا أنا وصاحب البث الشجي المبكي والهمس المفرح في الوقت ذاته.
ولكن كما أسلفت مع تلاشي علامات التعجب والانبهار لدي، وعودة النفس إلى ما كانت عليه من هدوء نسبي أدركت وتوقفت عند قوله تعالى: (وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)،”الإسراء 44″ .
كثيرا منا حين تتدفق عليه ينابيع الهم من كل حدب وصوب وتضيق به طرقات الحياة ومسالكها، وتحبسه الصعاب بين قضبانها وأنيابها، وتتكالب عليه المحن والشدائد، يذهب لمن يظن أنه لو أباح له بما فيه، سيضفي السكينة والهدوء على قلبه أيا كان ذلك المكون المباح والمسرود له، وربما تأتي بعدها الانفراجة في أمر كان عصيا حسب ظنه، هكذا يعتقد البعض منا، بل ويؤمن إن ذلك المكوّن هو أحد أسباب سعادة قلبه وانشراحه، متناسياً أو متغافلا أو جاهلا في حقيقة الأمر قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) آل عمران 154.
إن من فاجأني بهمساته وأحاطني بما يختزنه ويحتويه وما يؤرقه هو ذلك المكوّن الذي يلم ويحتضن في باطنه، ويعج في جوفه بالعديد من المكونات ذات الخلافات والاختلافات المتعددة والتناقضات الفريدة.
وما بين فكرة يأس ونبضة أمل عرجت إليه لمخاطبته والفضفضة له؛ لإفراغ ما بي من إرهاصات وتبعات سلبية نتاج ما تضخه فينا الحياة من أنماط ذات أبعاد مختلفة ما بين الإيجابي والسلبي.
إن صديقي الذي أعني ويتعنّى له البعض وأنا منهم لمناشدته ومناجاته والبوح له هو من يقول عن نفسه على لسان حال الشاعر حافظ إبراهيم:
أنا البحرُ في أحشائه الدرُّ كامنٌ…فهل ساءَلُوا الغَوَّاصَ عن صَدَفاتي
جميل جدا