بقلم:
إبراهيم العسكري.
كما نعلم جميعا بأن حياتنا الدنيوية ممر نعبر من خلاله لمسارين لا ثالث لهما ولا وسط بينهما ومن الفخر وحسن الحظوظ لنا كمسلمين أننا ندرك ذلك ونحمد الله دوما لنؤكد الفطرة الإسلامية التي نشأنا عليها بإقامة ما نؤمر به ونرجو من الله العفو فيما نسينا أو أخطأنا أو قصرنا أو استكرهنا عليه.
قبل عدة أيام احتجت أحد العمال لإصلاحات كهربائية بسيطة وعلى طارئ الكهرباء التي أثقلت كاهل المواطن والمقيم بتسعيرة تستهلك جزء كبير من القوت الضروري للغالب وليت المسؤول ينبه تلك الشركات الوطنية لتتعامل بالهون مع المواطن والمقيم فقد استقطعوا بفواتيرهم أرباحا فلكية في حين يأن المواطن ليوازن ميزانية دخله بما يؤمن الحد الأدنى من الضروريات… الخ.
نعود للعامل الفني الذي استدعيته لإصلاح كهرباء لبعض الأفياش ومفاتيح الأضواء وتغيير لمبات احترقت في مهدها وقبل عمرها الافتراضي باحترافية منشأ التصنيع في أن تكون ذات بريق لكنها رثة ورديئة في المقاومة كما يرغب المنتج ولعلي أخص بصورة من هذا لوزارة التجارة مع التحية لمراعاة ذلك..!!
التقيت بالفني المصري الذي اتضح لاحقا أنه يحمل مؤهل لا علاقة له بمهنته إطلاقا ودار بيننا النقاش التالي..
أنا: السلام عليكم
هو: السلام ورحمة الله.
أنا: لدي عدد كذا وكذا مفاتيح ولمبات
كم تحتاج أجرة إصلاحها.
هو: “يا عمي لما نشوف انت مابتوافقش على العروسة إلا لما تشوفها وتقتنع بيها”.
قلت في نفسي هذا دمه خفيف ولعلي أطقطق معه في الطريق فالنفسية لدي لكم عليها.
ركبنا السيارة واتجهنا للبيت وفي الطريق دار الحديث.
أنا: ازيك يا بن النيل؟
هو: “الحمد لله رضا من ربنا بص يا عمي أنا جيت عندكم وأنا بحلم ألم الفلوس من الأرض وأحوش الدنيا واشتري الفدادين وألعب بها لعب”.
أنا: طيب عساك توفقت ولقيت مطلبك.
هو: “يا عمي خليها على ربنا هو أنا قادر آكل مع الوحوش، الناس دي عايزة تخطفك من قفاك”.
أنا: كيف؟
هو: “دلوقتي أنا عشمت أهلي في مصر أني هتعب وأجيب لهم الغالي والرخيص من الفلوس اللي هلاقيها على الرصيف.
ولي خمس سنوات ما قدرتش أسوي حاجه لكن أهوه رضى من ربنا ويبوس يده التي يبدو عليها خشونة الكد والعمل ويقول الحمد والشكر ليك يا ربنا”.
دخلنا البيت وأوضحت له ما يلزم.
هو: “ي”ا عمي أنت راجل طيب واللي تبغيبه رضى.
أنا: لازم نتفق لكي تكون الأمور واضحة.
المهم اتفقنا وقد وجدت هذا الرجل مثقف وفاهم الكفت ومتقن لعمله رغم أن تأهيله كما أشرت مختلف عن صنعته.
جلبت لنا وجبة الغداء وأكلنا سويا وارتحت للحديث معه فعمله لا يقطعه عن الكلام بالأخص بص يا عمي..!!
انتهينا من الإصلاحات وزدناه على الشرط بما يستحق فقد أضاف أشياء لم تكن في حسبان شروطنا.
حقيقة استفدت كثيرا من هذا الرجل فهو مستمتع بالحياة ويتحدث حتى مع جهازه المحمول عندما يرن وهو في جيب البنطال وهو مشغول فيقول للجهاز دون أن يمسه ياعمي خلاص أنا بسمعك ولكن مشغول وهتصل بيك..!!
فقلت له هل لديك سماعة إذن تتحدث من خلالها.
قال: “لأ يابيه”.
“أنا بكلم الجهاز يصبر شوية مش فاضي له”.
بالفعل هو مرح رغم قسوة العيش والغربة فهو ينكت ويضحك من القلب وحينما أشرت له بقولي ما شاء الله أنت تتمتع بنفس طيبة وروح مرحة وراضية فأضاف لي بأسلوب ممتع لم اشهده طيلة حياتي أنه أسلوب السهل الممتنع حينما نحى عدة العمل جانبا ثم قال: “هو احنا واخدين من الدنيا إيه احنا صغيرين أوي في الدنيا دي قينا ضيوف شوية أيام بس وهنعيش فيها ما شاء ربنا ومتوكلين على الله نلحق الآباء والأقدار في الدنيا دي يوم نفرح بيه ، ويوم نبكي فيه ، يوم ننجرح ويوم نفرح ، ويوم يعطينا ربنا ويوم يأخذ منا ، وهو العمر بيمشي واحنا بنخسر أيام حياتنا بسرعة فائقة وحينما اغرورقت عيناي وعيناه يضيف اهوه شوية السنين ده من العمر هتمر وبيخلصوا واحنا ولا مستشعرين ولا بحاجه.
الحمد لله عشمنا في ربنا كبير وعشان كده لازم نرضى بحكم أقدار ربنا ونشعر بالسعادة وانت عمرك ما ترضى إلا لما تكون راضي بحكم ربنا سبحانه وتعالى.
للأمانة أضاف لي أشياء ممتعة ربما نسيت الكثير منها لكن كلامه كان يصدر من القلب فيستوعبه العقل والقلب.!!
الله الله عليك أخي الكهربائي المصري (فتحي) وعلى الشعب المصري العظيم فقد أهديت لي شعلة أمل مضيئة وزهرة فواحة مثمرة.
ومضة:
الحمد لله القائل لنبيه صلى الله عليه وسلم (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)
اللهم ارضنا وأرض عنا.