محمد الرياني
خيَّمَ الليل، تباشيرُ فرحٍ تبدو قادمة، استبشرَ وهو يسمع صوتَ الماءِ يخرُّ على رأسها ليزيل تفاصيلَ النهار من على جسدها، ظلَّ ينتظرها حتى تخرج ليراها في صورتها بعد ماءٍ فاترٍ انسكبَ عليها، وقفتْ بعجبٍ أمام المرآة، بدَّلت ملابسها بعدما أزالت بعض قطرات الماء العالقة على جبينها ووجهها، فتحتْ أدراجَ تسريحتها وهو مختبئٌ تحتَ اللحافِ ينتظر ليلةً مختلفة، وضعتِ المساحيقَ على وجهها وارتدتْ ملابسها، رشَّت العطرَ على جوانبها وغادرت تفوحُ رائحتها وهي تغلق عليه البابَ نحو صديقاتها، سمعَ وقْعَ أقدامِ كعبِها العالي يهزُّ الدرجَ الحلزوني، تبعه صراخٌ واستجداء، هبَّ لمساعدتها، وجدَ قطراتِ دمٍ قد خرجتْ من شفتيها على السلَّم، ساعدَها حتى نهضت ، أخرجتْ من حقيبتها منديلًا لتزيلَ الدمَ المختلطَ بأحمرِ الشفاهِ من على فمِها ومن الدرَج، نصحَها بالعودةِ والصعودِ إلى الغرفة، نظرتْ إليه باستغرابٍ ثم دفعتْ يدَه وهي تنظرُ إلى ساعتِها خشيةَ التأخُّر، صعدَ إلى غرفته وأطفأ جهازَ التكييفِ من الغرفةِ الباردة ، تغطَّى باللحافِ وهو يتلذذُ بالدفء، لم تدمْ طويلًا، عادتْ بعدَ زمنٍ قصيرٍ تتمتم ، فتحَ عينيه على صوتِها وهي تدعي على مَن أفسدَ الحفلةَ ثم أعقبه صوتُ فتحِ بابِ الحمَّام، نظرَ من تحتِ اللحافِ ليتأكدَ من دخولها، انتظرَ وقفتَها عند المرآة، خرجتْ بوجهٍ شاحبٍ لتعيدَ ثوبَ النهارِ عليها ، كتمَ شعورَه المحبطَ وأغمضَ عينيه للنوم، استلقت بجواره على السرير ثم نهضتْ بسرعة، أعادتْ ملابسَ الحفلةِ ولطخت وجهَها على عجل، تجاوزتِ الدرجَ بسهولةٍ تريدُ اللحاقَ بصديقاتها من جديد ، أحسَّتْ في الطريقِ بأنَّ قدميها خفيفتان، لطمتْ خدَّها وهي تنظر إلى زَوج أحذيةِ الحمَّامِ المتسختين ، اتصلتْ عليه ليحضرَ لها الكعبَ العالي إلى مكانِ صديقاتِها ، علا صوتُ الشخيرِ على كلِّ شيء.