بقلم / الدكتور عيذاب العزيز الهاشمي
بالرغم من تذبذب سعر الذهب في الأسواق العالمية، إلا أنه يبقى ملاذا آمنا للدول والمستثمرين لذلك تتجه البنوك المركزية إلى تعزيز حيازتها من المعدن الثمين في الاحتياطيات الدولية لديها، في إطار التحوط من التقلبات التجارية والمخاطر الجيوسياسية، فيما يؤكد خبراء ومحللون اقتصاديون أن تصاعد حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي تحفز على تعزيز احتياطيات الدول، ويشير مختصون إلى أن بعض البنوك المركزية العربية مثل مصر عززت من توجهها نحو زيادة الرصيد الذهبي، حيث أن اقتصاد مصر القوي يحتاج إلى الحفاظ على استقرار العملة المحلية .
في الشأن ذاته أجمع الاقتصاديين إن اتجاه مصر لزيادة احتياطاتها من الذهب، إلى جانب الأدوات الاستثمارية الأخرى، يعد سياسة تحوط جيدة، لا سيما وأن المعدن الأصفر من أهم الملاذات الآمنة وسيظل كذلك على مر العصور أن معظم البنوك المركزية بالمنطقة زادت رصيدها لدعم العملات المحلية والتحوط من آثار التضخم، وتقلب أسعار العملات العالمية في العامين الماضيين، ومن المرجح أن يكون هذا الاتجاه قابلا للاستمرار في السنوات المقبلة.
وحول التوجه العالمي حول زيادة الرصيد الأصفر قال الخبراء إن “زيادة حجم احتياطيات الذهب يعتبر توجها عالميا في الوقت الراهن ولا يقتصر على بعض الدول فقط، في ظل وجود شهية قوية لدى البنوك المركزية الكبرى لا سيما في الصين وروسيا”، لافتاً إلى أن “مجمل احتياطيات الدول العربية يعتبر ضئيلا يصل إلى نحو 1.34% من الاحتياطي العالمي، وبالتالي هناك فرصة جيدة لمصر لزيادة احتياطها من المعدن النفيس موضحين أن “الذهب أقدم أنواع الاحتياطي الذي استخدمته الدول وما زالت تستخدمه حتى الآن، ويمثل الاحتياطي الرئيسي لأكبر البنوك المركزية في العالم”.
ومن جانب آخر تعتبر مهام ووظائف البنوك المركزية حول العالم من الإصدار النقدي للعملة الوطنية والمحافظة على الاستقرار النقدي، والرقابة على البنوك والمؤسسات المالية في الدولة، كونه يمثل بنك الحكومة الأول وكذلك المسؤول عن إدارة احتياطات الدولة من الذهب والعملات الحرة للحفاظ على قيمة العملة والاستقرار النقدي واحتياجات الدولة من النقد الأجنبي اللازم للاحتياجات والسلع الاستراتيجية، مع أن حجم الاحتياطي ومكوناته يتوقف على طبيعة احتياجات الدولة ومعاملاتها مع العالم، ولكن في المعتاد تسعى جميع الدول إلى توازن الاحتياطي النقدي من ذهب وعملات العالم الرئيسية، فيما يعرف بسلة العملات، ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة اتجاه دول العالم إلى تعزيز الوزن النسبي للذهب داخل السلة باعتباره الملاذ الآمن وقت تقلبات أسعار العملات الرئيسية.
الاستثمار في الأصول الآمنة
وقال مجلس الذهب العالمي، وهو منظمة عالمية، إن حالة عدم اليقين وتزايد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية تلقي بظلالها على مستقبل الاقتصاد العالمي مما أدى إلى دفع البنوك المركزية بشكل متزايد إلى تنويع احتياطاتها وإعادة تركيز اهتمامها على الهدف الرئيسي المتمثل في الاستثمار في الأصول الآمنة والسائلة. وكشف في تقرير حديث اطلعت عليه “اندبندنت عربية” أن البنوك المركزية حول العالم زادت حيازتها من الذهب بنحو 91 طناً خلال عام 2021، مقارنة بنحو 56 طنا بالفترة المماثلة من العام الماضي.
وذكر أن البنوك المركزية (معظمها من الأسواق الناشئة) تواصل زيادة حيازتها من الذهب بوتيرة صحية، مضيفا أن التنويع بين الأصول الاحتياطية لا زال الدافع الرئيس نحو توجه البنوك المركزية لشراء الذهب وتابع المجلس “على الرغم من مرور عقد من الزمان منذ الأزمة المالية العالمية، يرى مجلس الذهب أن رد فعل البنوك المركزية في ظل ارتفاع الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية كانت في تعزيز احتياطاتها من الذهب”.
وحسب دراسة استقصائية حديثة نفذها مجلس الذهب، فإن 76% من البنوك المركزية ينظرون إلى دور الذهب كأصل وملاذ آمن للغاية، بينما أشار 59٪ إلى فعاليته كمنوع لتنويع المحافظ.
وتعد الصين واليابان وكندا والسعودية والجزائر وسنغافورة والبرازيل من الدول التي شهد احتياطي الذهب لديها مستويات دون الخمسة في المائة من إجمالي احتياطياتها من النقد الأجنبي وجاءت مصر في المرتبة الثالثة عربيا حيت تمتلك بنحو 10 في المائة مقارنة بـ4.5 في المائة في الجزائر ، ولمح تقرير مجلس الذهب العالمي إلى أن نسبة احتياطي الذهب من إجمالي احتياطي النقد الأجنبي لدى صندوق النقد الدولي غير معروفة نتيجة عدم احتواء تقارير صندوق النقد الدولي على تلك البيانات. ومن عوامل أهمية الاحتفاظ بالذهب
1- الذهب هو وسيلة للتحوط، ويسارع المستثمرون لشرائه بكميات كبيرة عندما تشهد بلادهم مستويات عالية من التضخم أو مع اضطراب أسواق الأسهم بفضل قدرته العالية على الاحتفاظ بالقيمة كونه أحد المعادن النادرة.
2- ترتبط قيمة عملة الدولة بقوة بصادراتها ووارداتها، لذا فإن أسعار الذهب العالمية تؤثر على البلدان المصدرة والمستوردة، فإذا تجاوزت قيمة واردات البلاد صادراتها سيشكل ذلك ضغطًا هبوطيًا على عملتها، والعكس بالعكس.
3- البلد الذي يصدر الذهب سيشهد قوة في قيمة عملته عندما ترتفع أسعار المعدن الأصفر اللامع، لأن ذلك يزيد القيمة الإجمالية لصادراته ويمكن أن يخلق فائضاً تجارياً لديه ويعوض العجز.
4- عندما تشتري البنوك المركزية الذهب، يؤثر ذلك على معادلة العرض والطلب للعملة المحلية، وقد يؤدي إلى التضخم، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن البنوك تعتمد على طباعة المزيد من المال لشراء الذهب، وهو ما يتسبب في وفرة من المعروض النقدي.
5- يخطئ الكثيرون بالاعتقاد في وجود علاقة عكسية بين أسعار الذهب وقيمة العملات الرسمية، فالأمر ليس كذلك دومًا، وعلى سبيل المثال، إذا كان هناك طلب كبير من صناعة ما تستخدم المعدن النفيس كأحد مدخلات الإنتاج سيؤدي ذلك لا شك إلى ارتفاع أسعاره، وفي الوقت ذاته قد يكون أداء العملة المحلية جيدًا وفقًا لأساسيات الاقتصاد.
مصر والأهمية الاقتصادية لقوة الذهب كاحتياطي..