كلمة رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي في افتتاح القمة المصرفية العربية الدولية لعام 2021

ألقى معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي كلمةً “عن بُعد” في افتتاح القمة المصرفية العربية الدولية لعام 2021، التي نظمها إتحاد المصارف العربية بالتعاون مع المفوضية المصرفية الأوروبية وجمعية المصارف الإيطالية في مدينة روما الايطالية، تحت رعاية السيد ماريو دراغي رئيس الوزراء الإيطالي، المنعقدة تحت عنوان “استراتيجيات التعافي ما بعد الأزمة: تعزيز التنمية المستدامة والقدرة على تحمل الديون”.

أشار معاليه في بداية الكلمة إلى أن أداء الاقتصاد العالمي من المتوقع أن يشهد تحسناً خلال عامي 2021 و 2022، ينعكس في تحقيق معدل نمو يقدر بنحو 6.0 و 4.4 في المائة للعامين على التوالي، منوهاً في هذا الصدد أن هذا التعافي يواجه في المقابل عدد من المخاطر، أبرزها إحتمالات تعذر إحتواء فيروس كورونا المستجد، وإحتمالات نشوب أزمة مديونية عالمية مع التوقع بإستمرار السياسات المالية والنقدية التوسعية لدعم مرحلة التعافي، مشيراً في هذا الصدد إلى ارتفاع الدين العالمي بنحو 24 تريليون دولار، ليصل إلى ما نسبته 355 في المائة من الناتج العالمي مع نهاية عام 2020. وفيما يتعلق بالدول العربية، أشار معاليه أن توقعات صندوق النقد العربي تظهر تحقيق معدل نمو يصل إلى نحو 2.8 في المائة عن عام 2021 ويرتفع إلى نحو 3.6 في المائة عن عام 2022.

في هذا السياق، تناول معالي الحميدي أهم التداعيات والتحديات على القطاع المصرفي في هذه المرحلة لدعم التعافي، التي من أبرزها أهمية المحافظة على الاستقرار المالي وسلامة ونزاهة المعاملات المالية والمصرفية، وتعزيز التنسيق بين السياسة الاحترازية الكلية والسياسات الاقتصادية، وتسريع التحول المالي الرقمي وتطوير خدمات مالية ومصرفية مبتكرة، ومواجهة تداعيات تغيرات المناخ والمتطلبات من المؤسسات المالية والمصرفية، وتعزيز التمويل المسؤول والمسؤولية المجتمعية للمؤسسات المالية والمصرفية لخدمة التنمية المستدامة، إلى جانب الإرتقاء بمنظومة وأدوات تسوية المدفوعات محلياً وعبر الحدود.

فعلى صعيد دعم الاستقرار المالي، أشاد معالي الحميدي بالإجراءت التحفيزية والوقائية التي قامت العديد من المصارف المركزية العربية بها. شملت تلك الإجراءات ضخ السيولة في القطاع المصرفي من خلال تخفيض أسعار أدوات السياسة النقدية ونسبة الإحتياطي النقدي الإلزامي، وتعزيز منظومة ضمان القروض دعماً للقطاعات الإنتاجية، محذراً في نفس الوقت من الارتفاع المتوقع في نسب التسهيلات غير العاملة إلى إجمالي التسهيلات بعد سحب أو تخفيف حزم الدعم التي تم تطبيقها خلال فترة الجائحة، حيث ارتفعت نسبة التسهيلات غير العاملة بنسبة بسيطة إلى نحو 8.3 في المائة في نهاية عام 2020، مع التوقع بمزيد من الارتفاع بعد سحب الحزم، الأمر الذي سيشكل أمام السلطات الرقابية تحديات جديدة. أكد هنا على أهمية التنسيق بين السياسات الاقتصادية والسياسة الإحترازية الكلية، وأهمية ملائمة توقيت تخفيف أو سحب إجراءات الدعم، كأحد أدوات نجاح الإجراءات المتخذة لدعم التعافي الاقتصادي.

أبرز معاليه أهمية التحول الرقمي خلال جائحة كورونا، مبيناً أن التقنيات المالية الحديثة ساهمت من جهة في استمرار الخدمات المقدمة من القطاعين العام والخاص، ومن جهة أخرى في الحد من المخاطر الصحية، مؤكداً على أهمية تعزيز البنية التحتية الرقمية للقطاع المالي، وتشجيع التحول الرقمي، وإيجاد فرص تطويرية واستثمارية في مجالات التقنيات المالية محلياً، منوهاً بالفرص الكبيرة الكامنة في تطوير الخدمات الرقمية.

في الإطار ذاته، أشار معالي الدكتور عبدالرحمن الحميدي أن صناعة الخدمات المالية الرقمية تشهد نمواً في المنطقة العربية، منوهاً بمساهمة الأنشطة الرقمية بنحو 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية. كما أشار إلى النمو الملحوظ في عدد شركات التقنيات المالية الحديثة، الذي اقترب من نحو 500 شركة في عام 2020 أكثر من نصفهم شركات ناشئة، مقابل 167 شركة قبل خمس سنوات و62 شركة فقط قبل عشر سنوات. كما أكد معاليه على الحاجة للمزيد من العمل لخلق البيئة التشريعية والتنظيمية المحفزة والبنية التحتية المشجعة على نمو صناعة وخدمات التقنيات المالية الحديثة في الدول العربية. فعلى سبيل المثال، عكس مؤشر التقنيات المالية الحديثة لصندوق النقد العربي (FINXAR) الاهتمام والجهود التي قامت به السلطات في الدول العربية في الأعوام الثلاث الماضية خاصة عام 2020، نحو الارتقاء بفرص نمو التقنيات المالية وتوظيفها، حيث يظهر المؤشر تحسن بيئة الخدمات المالية الرقمية وتنفيذ برامج وأنشطة وطنية للتحول الرقمي في الدول العربية. يبرز المؤشر عدد من التحديات التي تتطلب المزيد من الجهود، خاصة على صعيد تسهيل وصول مزودي خدمات التقنيات المالية الحديثة ورواد الأعمال والشركات الناشئة إلى التمويل، ومتابعة تطوير التشريعات والبنية التحتية المالية المحفزة.

من جانب آخر، أكد معاليه على ضرورة التعاون لمواجهة مخاطر تغيرات المناخ والحاجة لتطوير الخدمات المالية والمصرفية في هذا الشأن، إذ أن الخسائر المرتبطة بالأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية والتغير بالمناخ تضاعفت أربع مرات منذ الثمانينيات، حيث ارتفعت من 50 مليار دولار سنوياً في الثمانينيات إلى نحو 200 مليار دولار خلال العقد الماضي، الأمر الذي يشير أهمية وضع خطة استراتيجية لعملية التحول التدريجي للمنتجات الصديقة للبيئة بالتنسيق والتعاون بين المصرف المركزي والقطاع المصرفي والجهات الرسمية المعنية بموضوع التغيرات المناخية والبيئية، وذلك للحد من مخاطر التحول. إضافةً إلى تبني القطاع المصرفي لبرامج دعم للمشروعات صديقة البيئة، بتمويل بأسعار فائدة وآجال مناسبة، وتعزيز التمويل المستدام والمسؤول، وتقديم الحوافز للبنوك التجارية وأصحاب المشاريع الصديقة للبيئة بشكل مدروس.

في هذا الصدد، بيّن معاليه أن التمويل المسؤول يعد أحد أهم العناصر التي تساهم في الحد من أثر تغيرات المناخ على الاستقرار المالي، مشيراً في هذا الصدد إلى المسؤولية المجتمعية للقطاع المصرفي في دعم المشاريع الصديقة للبيئة ذات الانبعاثات “منخفضة غاز الكربون”، وأخذ الجوانب البيئية في الاعتبار قبل منح الائتمان، ذلك بهدف تعزيز التمويل المسؤول. أشار معاليه في هذا الصدد ان جهود المصارف المركزية في العديد من الدول في مجال التمويل المسؤول، أسفرت عن زيادة في عدد وقيمة القروض التجارية التي قدمتها البنوك للمشاريع الصديقة للبيئة، مشيراً إلى تبنى القطاع المصرفي في عدد من الدول العربية تقديم منتجات تحد من تداعيات تغير المناخ، تشمل القروض المسؤولة (الخضراء) وتمويل المشاريع والمنتجات المالية المختلفة والصناديق الاستثمارية الخضراء. داعياً السطات الاشرافية بالتعاون مع القطاع المصرفي لدعم هذه التوجهات.

من جانب آخر، أشار معاليه بالاهتمام الكبير الذي يحظى به موضوع تطوير نظم الدفع عبر الحدود من قبل مجموعة العشرين، سعياً وراء تعزيز كفاءة وسلامة معاملات الدفع والتحويل بما يخدم أغراض تعزيز التدفقات المالية ودعم النزاهة والإستقرار، مشيراً إلى أن منصة “بُنى” للمدفوعات العربية، التي أنشأها الصندوق مؤخراً بدعم وتعاون المصارف المركزية العربية ومشاركة المؤسسات المالية الدولية والبنوك المركزية العالمية، تمثل نموذجاً للتوافق مع إرشادات مجموعة العشرين.

أخيراً، أكد معالي الدكتور الحميدي إهتمام صندوق النقد العربي بتعزيز التعاون مع كل من إتحاد المصارف وجمعيات واتحادات البنوك والبنوك العاملة في المنطقة العربية، مبيّناً أن الصندوق يعمل باستمرار على توسيع التعاون والمشاركة للبنوك في أنشطته ومؤسساته الشقيقة (برنامج تمويل التجارة العربية والمؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية). كما أشار إلى استهداف الصندوق في إصداره للعديد من التقارير والأدلة الإرشادية مؤخراً، قضايا تهم المؤسسات المصرفية للمساهمة في تناول المواضيع ذات الأولوية خاصة على صعيد مواضيع الشمول المالي والتقنيات المالية والتمويل المسؤول. كما نوه معاليه بإهتمام الصندوق في بناء ثقافة مجتمعية تدرك الفرص والمخاطر في الخدمات المالية، خاصةً للفئات الشابة، من خلال المبادرة بإطلاق عدد من الكتيبات للنشئ بغرض المساهمة في جهود التوعية حول القضايا المالية والمصرفية، بما في ذلك التوعية بالتحول الرقمي والتقنيات الحديثة.

 

 

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

روسيا تسمح للمسلم بالزواج من 4 نساء

سمحت روسيا، لأول مرة منذ أكثر من 100 عام للرجل المسلم على أراضيها بالزواج من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.