بقلم / علي أحمد معشي
الطبيعة البشرية دائماً مظنة الخلاف والاختلاف والخصام بين الناس على مر العصور وهذا الخلاف والخصام يتفاوت في درجاته ،وحدته وأنواعه وأسبابه كما أن النفوس تتفاوت في صفاتها وأخلاقها وقدرتها على التعامل الايجابي مع المشكلات والأحداث التي تطرأ على العلاقات ، فالخصام قد ينشأ بين الدول والجماعات كما ينشأ بين الأفراد، وقد يكون بين الجيران والأصحاب وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة والأزواج وغيرهم ، وكم شهدت ميادين الحروب والنزال من القصص والحكايات التي يضرب بها المثل في الاقتصاص واسترداد الحقوق أو اغتصابها بالقوة، وقد كانت لغة القوة وشريعة الغابة هي السائدة في الجاهلية وما قبل الاسلام، فتغير القبائل والدول والجيران على بعضهم البعض للسطو والسلب والنهب ، ولم تنته تلك المظاهر حتى بعد الاسلام ولكن الاسلام هذبها وقلصها ، وزرع الخوف من الله والتقوى في القلوب والزهد في الدنيا ، والطمع فيما عند الله أضحى هو مصدر البعد عن تلك النزاعات والحروب والعداوات الجاهلية المستشرية في المجتمعات السابقة ، إلا أن الأمر بطبيعة الحال لا يزال يحمل الكثير من الخصامات على شؤون الحياة وهذا ليس بمستغرب ولا مستبعد بل هو من طبيعة الحياة الدنيا وما جبلت عليه النفوس البشرية .
ويذكرنا القرآن الكريم ويضرب لنا مثلاً في الخلاف بين الزوجين حينما يؤدي إلى الطلاق والانفصال ، يوصي ربنا تبارك وتعالى بالوفاء وحفظ الفضل لأهله بل والاستزادة منه حتى بعد الانفصال ، فلا يجب أن يؤدي الطلاق أو الخصام بين الناس عموماً إلى الجحود ونكران الفضل ولا إلى الحدة في المطالبة بالحقوق وإنما يدعو إلى التسامح والتنازل والتراضي واللين قدر المستطاع ويمدح ذوو الفضل والكرم والتسامح بأنهم أقرب للتقوى من أولئك الذين لا يتنازلون ولا يتسامحون حتى وإن كان ما يطالبون به حقاً صرفاً لهم فقال الله تعالى :
” وإن تعفوا أقرب للتقوى ”
وما نشهده اليوم في المحاكم الشرعية من الخصومات المطولة والقضايا الممتدة عبر السنين لهو أمر محزن للغاية فالأزواج والزوجات يمارسون الانتقام من بعضهم البعض رغم طول العشرة بينهم والود الذي كان قائماً ممتداً بينهم ، فالعضل والتعليق والمهور والنفقات والحضانة تشعل نار الخصام والانتقام دون أن يستشعر أحد الزوجين قول الله تعالى ” ولا تنسوا الفضل بينكم ” وهي الوصية القدسية الريانية التي يمنح الله باتباعها الخيرات والبركات في مستقبل الحياة ، وكذلك الخصام بين المتبايعين والمتداينين والجيران وملاك العقارات وغيرهم ، تطول بينهم الخصومات دون أن يعي بعضهم فيكرم خصمه بالتسامح وطلب ماعند الله لتعم البركة في المجتمع المسلم وتزيد المحبة والألفة وهي من عوامل استقرار المجتمعات وازدهارها ونموها وقوة لحمتها ووحدتها .
ولم يكن القرآن الكريم يوماً إلا نبراساً ومنهاجاً للحياة في أفضل وجوهها سلماً وسلاماً ولله الحمد.
وعلى المسلمين اليوم أن يكونوا أقرب لمنهج القرآن فهو المخرج من كل ما يفسد حياة البشر وعلاقتهم ببعضهم كي يتمكنوا من إعمار الأرض وبنائها والعيش بسلام وأمان وبركة.