الأعمال التطوعية بين انتهاز القادة وإخلاص الأفراد

الأعمال التطوعية بين انتهاز القادة وإخلاص الأفراد

بقلم
✍🏼 الكاتب / أحمد القاري
نسمع كل فترة عن ولادة فريق تطوعي جديد يخرج من رحم فريق تطوعي قبله، وقائدٍ جديد كان بالأمس عضواً في فريق قديم، انشق ليشق طريقه بإقدامٍ، حاملاً الشعار بيمينه والشهادات بيساره، وناسخاً كل الأفكار والشروط والأعضاء أيضاً لفريقه.

وقد ينتابنا الفضول لمعرفة الخدمة التي يقدمها الفريق الوليد والذي سيقفز بالمجتمع قفزة المها، ونفاجأ عند قراءة الوصف للفريق المنبثق تواً من فريقٍ منبثق بدوره من فريق آخر كهل – وإن علا – بأن الرسالة والغاية والأهداف والرؤية (نسخ ولصق) لا جديد سوى الاسم الرنان !

إن هذا التسابق للتصدر والظهور والشهرة هو آفة ينبغي على المجتمع مكافحته مثل وباء كورونا تماماً .. غير أنه لا يجدي المعقم والكمامة والتباعد منه نفعاً، والعجيب أن ترى تصفيقاً حاراً وتسمع تصفيراً مجلجلاً للانقسام الجزيئي كانقسامات الخلايا.
وليت شعري هل يعلمون أن التعدد هنا منبوذ كتعدد الفرق السبعين وزيادة ؟
لا خير ألبتة في التشعب والتفرق والتعدد ، وربنا سبحانه وتعالى يقول : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ويقول : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا وكانوا شيعاً ) فما أثنى على ذلك ولا امتدح، بل ذمه وقدح.
إن استحال على نفوس قادة الفرق التطوعية الاجتماع تحت مظلة واحدة ورجل واحد، وفشلوا في الاصطفاف لتحقيق غاية خدمية مجتمعية واحدة؛ ماحين أسماءهم وصورهم؛ ومانحين جهدهم وخبراتهم؛ فكيف سيقنعون الناس بالعطاء والانتظام؟
و جرت السنن الدنيوية بأن من يتمرد يُتمرَد عليه، ومن يجنِ يُجنَ عليه، والمنشق يشق عليه ضبط غيره.

وإليك طريقة تناسخ الفرق التطوعية التي تشبه إلى حد ما (قروبات الواتساب) !
حيث يدخل عضوٌ إلى مجموعة، ويرصد المحادثات ثم يسرق فكرتها وقوانينها وأعضاءها ثم يغادر ..
لينشيء مجموعة جديدة ويختار اسماً براقاً لها، ويضيف نفس الأعضاء والقوانين ويعيش جو (المدير الكبير).

والمأمول أن يتقدم للقيادة من اتصف بحسن القيادة والعلم والخبرة والسمت وجوهر ذلك الطاقة الذهنية والبدنية والمالية، ويدهشني كثيراً تسارع شقائق الرجال إلى القيادات بدعوى (التمكين) مع وجود الأفضل من الرجال خلف المفضول، ولا نزال نحفظ المقولة الشهيرة : “وراء كل رجل عظيم امرأة ” !

وخذ على سبيل المثال فرقاً يسيراً بين الفرق التطوعية والأعمال الفردية : “فريق فيه مئة عضو يخدمون أربع أو خمس أسر محتاجة، بينما المتطوع الفردي عددهم أربعة أو خمسة أشخاص يخدمون مئة أسرة”.

تعالوا لنحلق بخيالنا قليلاً – فلا ضرر من الأمنيات المستحيلة إطلاقاً ! – نتخيل أن هناك فريقاً واحداً يضم أعضاء جميع الفرق التطوعية المتجذرة؛ وقائداً واحداً (زي الفل) يتفق عليه الكل، منتخباً من الجهات المختصة؛ توجههم واحد ونشاطهم واحد .. هل سيفشلون وتذهب ريحهم؟
بالطبع كلا

دعوني أخبركم عن سر تباطؤ الخدمات لدى بعض الفرق التطوعية وانحسار أعمالها ، فتجد الاهتمام الكبير بالصور الملتقطة لأعضاء الفريق وأوراق الشهادات وخامات الدروع و(تورتة) الحفل كما لو كنت في عيد ميلاد إحداهن، ولا تشعر بالقيمة المضافة منها للمجتمع.
إن كانت النيات في الطاعات شابها شيء من حب الظهور والشهرة ؛ شابهت الوضوء بلا تسمية؛ والصلاة بلا وضوء.

اختبئوا أيها المتطوعون كما يختبيء في صدقاتهم (المحسنون) فلا تعلم يمينه ما تنفق شماله.
تأسرنا أعمال الخير المبذولة من (فاعل خير) ويقاتلك إن ذكرت اسمه.

إن بعض الحفلات الصاخبة التي تقام بحضور فرق استعراضية ومنشدين و (كعكات) تحولت إلى كراسة رسم؛ تكسر قلوب الفقراء والمساكين الذين حالفهم الحظ وتمكنوا من التسلل إلى الجمهور أملاً في التقاط قطعة خبز أو علبة مشروب ، فهل جئتم لتزيلوا همومهم أم (لتفقعوا مرارتهم) ؟

ويستثنى من هذا كله “ثلة من الأولين” ممن أسسوا فريقهم على تقوى من الله، كما قال تعالى : ( أفمَن أسَّس بُنيانَه على تقوى منَ الله ورضوان خيرٌ أم من أسَّس بُنيانَه على شَفا جُرُفٍ هَارٍ ).

وتذكروا أن الهدف الأسمى إسعاد المحتاجين لا أنتم.
أقول قولي هذا لعل فريقاً عاقلاً يستمع إلى القول فينتفع وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

والحمد لله على كل حال

a.a.qari@hotmail.com

 

عن ريماس

شاهد أيضاً

كبري رديس

أحمد جرادي تأمل الجميع أن تسارع الجهات المعنية بكبري رديس ان تجد حل جذري وسريع …

2 تعليقان

  1. عبدالمجيد سعيد

    واله الحمد لي في التطوع أكثر من 30 عام
    هناك فرق كثير بين سابقا والان ، وكثرت السرقات الفكرية وعدم الإخلاص لله في العمل التطوعي ، وهذا يحاول يطلع هذا على هذا ولو بالغدر والخيانة
    والآن ظاهرة جديدة استغلال المتطوعين

  2. مقال رائع يوضح مدى انتهاز القادة وبراءة الأفراد فقد كتبت مقال يوافق كلامك ومقصدك وكان بعنوان الارتقاء في رحلة العطاء ظاهرة التطوع الى أين ….. شكرا لك ولمقالك الجميل والهادف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.