بقلم الكاتبة / وسيلة محمود الحلبي*
الصديق من صدقك، والصديق وقت الضيق، والصديق هو بمثابة ربَّ أخٍ لك لم تلده أمك، والصداقة الحقة هي الظلال الخضراء الوارفة التي لا تصفر أبداً، ولا ترميها رياح الخريف، ولا تقتلها أشعة الشمس الحارقة في الصيف، الصداقة نرويها بالصدق والاحترام، والصراحة والأمانة، والتضحية بذلك كله نراها أينعت وأزهرت وأثمرت ودامت.. ولكن.. قد يحدث أن نتعرض لبعض التجارب المؤلمة، تجارب تكشف لنا معادن من يحيطون بنا، فنلتفت حولنا ونندهش ثم نتألم، لكننا فيما بعد نحترس من أولئك الذين أحاطوا بنا. فالإنسان الذي سحرنا بحرارته واندفاعه، قد اختفى ونحن نصارع التجربة القاسية وحدنا، ونحن نمر بالأزمة العنيفة، بل قد نكتشف أن الازمة التي نمر بها قد تكون من صنع أولئك الذين يظهرون أمامنا دائما بمظهر الأصدقاء، الذين يؤيدوننا ويندفعون في حرارة جامحة.
إن التجارب كثيرة، ودائما تثبت أن الذين يلجؤون إلى زخرفة عواطفهم بالكلمات المثيرة والحماس الخارجي الحاد هم في الحقيقة أبعد الناس عن الصداقة والصداقة في حد ذاتها جمال وزخرفة طبيعية للحياة، تعطي للجميع اكتفاء وسعادة داخلية، ثم تخلق بهم احتراماً لها، فلا يمكن بعثرتها في المناسبات فقط، بل يجب أن ننتظر دائما الفرص الحقيقية للتعبير عنها.
الصديق هو ذلك الذي نحب أن نقضي معه ساعة، نشكو له ونسمع منه، يكون كالحصن الذي تقصده النفس كي تحتمي به لحظة العذاب، أو الخوف أو التردد.
لكن أن يتحول هذا الصديق «الحصن» إلى مقصلة، تفصل رأس الحب عن جسده بواسطة تشكيكه لنا بصدق عواطفنا وقوتها، أمر صعب جداً ومؤلم. أرقى مقاييس الصداقة، الصدق والإيثار، ومؤسف، بل محبط أن نرى أولئك الذين اتخذناهم أصدقاء لنا دون أن يعلموا، يحاولون تضليلنا وتشكيكنا بما يسكننا ويطلقون على أحقادهم وضغينتهم «نصيحة» ويسلكون سلوكاً مناقضاً لعواطفهم الظاهرة التي أعلنوها من قبل وقبل أن نتعرض لتجربة حقيقية.
إن الصديق ذلك الإنسان الشفاف المرن الذي لا يتجمد في موقف أو في حالة، ذلك الانسان الصدوق الذي لا يتصلب امام ظرف من الظروف، وليس اولئك الذين يدعون انهم اصدقاء وهم في حقيقة الامر مصابون بالضعف والعجز والتشويه الرؤيوي، وعدم تفهم الامور على حقيقتها، وقياس المشاعر بعمقها، ومثل أولئك «الأعدقاء» لا يؤثرون على من امتلأت كياناتهم عاطفة، وقناعة بالحب، والصدق، والإصرار. وإذا كان هذا الصديق أو ذاك يميل إلى تحقيق ذاته عن طريق إشعار الآخرين بوجوده فإنه عن طريق الثقافة والتجربة والصداقة الحقيقية يستطيع ان يصل الى حالة في التطور النفسي الذي يغنيه عن بعض الميول في جذب الآخرين عنوة. ويستطيع بثقافته ووعيه واتزانه أن يمضي في طريق هادئ يلتمس الملذات العليا التي تتصل بالمعرفة والتأمل والاكتفاء الذاتي عندما يشعر انه يعمل شيئاً ولو لم يعرفه المحيطون وبذلك يقضي على ما يعترض نفسه من فتور وهشاشه. اننا نترك لإرادتنا تعمل على دفع ظروفنا وتطورنا نحو كل ما هو جميل وفاضل ونسعى للوصول إلى الحياة كما ينبغي أن تكون. نحن في هذا الوقت بالذات بحاجة الى اصدقاء حقيقيين يفكرون ويعملون بأسلوب الاصدقاء الصادقين، المثقفين، المدركين لتصرفاتهم، أولئك الذين يلتزمون أصول الوعي والمنفعة الإنسانية العامة ويقدرون معنى المبادئ الجوهرية أكثر من تقديرهم للمبادئ السطحية.
أيها الأصدقاء.. ان الثقافة وسيلة هامة لتربية الإرادة من خلالها يمكن لكم أن تفهموا واجبكم وتستثيروا حماسكم بعيداً عن كل الأهواء، ويكون لكم ملكة مستقلة للحكم على الأمور وتقديرها تقديراً صحيحاً، أما نحن فنستطيع التغلب على كل مايواجهنا من صعوبات واعتراضات وقادرون على ألاّ ندع الحياة تتسرب من بين أيدينا. اننا بالحب سنصل إلى شاطئ السعادة وسندع الآخرين يغرقون في بحر الفراغ الروحي.
“مجرد سؤال..”?
عندما تقوم المشاعر على القناعة اولاً، ثم الارادة والصدق.. والإصرار هل يمكن أن تنكسر؟؟
“خاص جداً”
لا شيء أضعف من الماء، لكنه عندما يهاجم شيئاً صلباً وقوياً وعنيداً، لا يوقفه شيء عن المسير ولا يبدل طريقه شيء، فيجرف معه ما يعترض طريقه.
“وبعد”
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها، صديق صدوق صادق الوعد منصفا.
• سفيرة الإعلام العربي
• عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
• عضو اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
• مسؤولة الإعلام بجمعية كيان للأيتام