بقلم / وفاء الطيب
حالة قلق وتحفز شديدة تساور أمي وأختي وأخي الصغير والخادمة، وحتى عنتر، القط العجوز، الذي لم ينس -أكاد أجزم – ذلك المفك الحديدي الذي سقط على رأسه بعد عراك باليد بينها وبين أخي.
لا أحد في بيتنا يخطيء تاريخ ذلك اليوم الذي نقلت فيه أمي إلى المستشفى بعد جلطة خفيفة، إثر نقاش حاد بينهما.
وكنت -أصارحكم القول – مرتاحة لغيابها، لأن يدها لم تمتد لخزانتي ما يقارب أربعة أشهر وعشرا، فعطوري وثيابي ساكنة في مأمنها منذ اجتاحت كورونا العالم وفرضت علينا التباعد وندرة التزاور.
دخلت ناهد ومن خلفها زوجها الذي وضع أكياس الفاكهة على الطاولة في الصالة، وانحنى يقبّل يد ورأس أمي في خنوع لم يعتده؛ اقترحت أمي أن يجلس وحده في الصالون ليدّخن أرجيلته التي لا يفتأ يحملها معه في كل زيارة كما الأطباء والحجامين.
بعد ساعة واحدة من الزيارة الميمونة فتحت ناهد خزانتي وتأملت ما فيها وقلّبت ثيابي ذات اليمين وذات الشمال، ولكن الله سلم، فلم تقترض مني ثيابا سيكون مآلها حتما اللارجوع.
ثم طلبت مني أن أتبعها إلى المطبخ، زاعمة أنها نسيت مكان البن والسكر ،فانصعت اليها. أخذت تكيل ملاعق البن والسكر في إناء القهوة دون أن تلحظ عنتر الذي اختبأ خلف باب المطبخ، مؤكدا حدسي في أنه لم يكن ناسيا تلك الكوارث التي تحدث لنا كلما زارت بيتنا بصحبة زوجها.
جلسنا أخيرا أمام التلفاز نتناول شطائر دجاج البيك الذي نطمئن جميعنا لتعبئته المعقمة في ظل ظروف الكورونا ونتفق جميعنا على جودة سعره ومذاقه معا. انتهى المسلسل في حلقته الأخيرة نهاية سعيدة دعتني للتفاؤل بوجود ناهد في بيتنا هذه المرة، فهي لم تفتح نقاشات عدائية مع أمي، ولم تنتقد طريقة أختي في الجلوس، ولم توبّخ أخي لأنه لا يقبل يدها كما يفعل أبناء العائلات المحترمة.
على الباب، ودّعتنا بحرارة وقبلت يد أمي، وسلمت على أختي بحرارة، ثم احتضنتني وهمست في أذني قائلة:
“أوه لقد نسيت.. أرجوكم، احذروا من ملامسة أكياس الفاكهة التي حملها زوجي، فقد أصبت أنا وهو بالكورونا قبل أسبوعين !”