متابعات: عبدالعزيز العنزي
اعتاد مرتادو الطريق إلى المدينة المنورة أن تستقبلهم لوحات إرشادية ضخمة تذكرهم بأن أمامهم طريقين يعتمدان على أي الأديان تتبع، فالأول متاح للمسلمين، والآخر لغيرهم.
بيد أن الجهات المعنية في السعودية، بدّلت تلك اللوحات الإرشادية التي تستقبل زوار المدينة المنورة التي تُعدّ في المرتبة الثانية بين البقاع المقدسة في الإسلام، بالعبارة الشهيرة “للمسلمين فقط” وسط لون تحذيري أحمر، ومفادها أن الديانة شرط لدخول المنطقة المقدسة على غرار مكة المكرمة، إلى عبارة تبدو أكثر تلطفاً وترحيباً “إلى حد الحرم”.
كما تم استبدال الخطوط العربية القديمة إلى “الخط المدني” كأسلوب لكتابة اللوحات الإرشادية على ممراتها، بهدف تعزيز مكونات الهوية البصرية لها.
وقد تعود أسباب تلك التغييرات إلى الملامح البارزة في البلاد أخيراً، و الانفتاح نحو العالم والثقافات المختلفة، اللذين قد يكون القرار الحكومي خلفهما.
ويمكن الدخول لمنطقة المدينة المنورة للجميع من دون شرط الديانة، فعلى سبيل المثال، هناك 8 محافظات تتبعها إدارياً مثل العلا، وينبع، ومهد الذهب وغيرها، لا يشملها المنع، لكن الحظر التاريخي مفروض فقط على حدود الحرم المدني، حيث دُفن نبي المسلمين محمد عليه السلام ومجموعة من صحابته وعائلته.
وعن التاريخ الممتد للمدينة، أوردت صحيفة اندبندنت عربية، نقلا عن مدير مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، الدكتور فهد الوهبي أن “تأسيس المدينة المنورة تأسيس خليط مجموعة جاءت من اليمن لتتشكل لاحقاً ويصبحون الأنصار، وأخرى جاءت من الشام وسكنت المدينة، وكثيرون غيرهم”.
لم يكن وصول رسول المسلمين يشكل خطراً على السكان السابقين له، إذ يروي الوهبي “عندما وصل، كان هذا هو واقع أهل المدينة، ولما دخلها وجد هذه القبائل والأديان وأقر سكناهم فيها وآلف بينهم، وفق ضوابط اجتماعية حفظاً للأمن والعهود بين النبي وغير المسلمين”.
ومن أمثلة التواصل بين رسول الإسلام محمد عليه السلام، ما جاء به حديث زوجته عائشة التي قالت إن “النبي مات ودرعه مرهونة عند يهودي”. ويعتقد علماء دين وجهاء بثبوت ذلك، بينما ينكره آخرون.
ويرى الوهبي أن الدرع المرهونة عند يهودي “دليل على التعامل التجاري بين المسلمين وغير المسلمين في زمن الرسول، بل إن عهود الخلفاء الراشدين لم تخالف ذلك وكانوا يزورون المدينة، وصولاً إلى عهد الدولة الأموية التي أخذت خبرات من غير المسلمين لتوسعة المسجد النبوي” أي أن المصلحة العامة كانت لا تخالف دخولهم إلى المدينة المقدسة.
فقهيا
ومن الناحية الفقهية، فليس هناك نص ديني صريح يحرم دخول المدينة المنورة لغير المسلمين، بل ذهب فقهاء إلى إجازة دخولهم لإعمارها والتبادل التجاري، وهناك سوابق تاريخية، إذ يُقال إن الوليد بن عبد الملك استخدم النصارى لتوسعة المسجد النبوي، ويعتقد علماء دين وجهاء بثبوت ذلك، وآخرين ينكرونه.
ولفت الدكتور فهد الوهبي إلى أن المكانة الدينية العظيمة للمدينة اكتسبتها بعد دخول الرسول إليها، ووضع الرسول لها مكانة أيضاً بقوله: “المدينة حَرَمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ، فمن أحدث فيها حَدَثاً، أو آوى مُحْدِثاً؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً ولا عَدْلاً. ذِمَّةُ المسلمين واحدة، يسعى بها أَدْنَاهُم، فمن أَخْفَرَ مسلما، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً ولا عَدْلاً. ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً ولا عَدْلاً”.
والمكانة التي اتفق عليها علماء المسلمين، يؤكد الوهبي أن “غير المسلم عند دخوله إلى المدينة يشعر بهذه المكانة العظيمة، ولذلك دخوله أو السماح له لا يعارض هذه المكانة الدينية، ومَن كان يعارضها لا يُسمح له بالدخول”.
طريق غير المسلمين
وعن الحدود التي أصبحت محل الإشكال والقيل والقال، على الرغم من حديث الرسول، يوضح الوهبي “عير يقع في جنوب المدينة، وثور في شمالها، لكن اللوحات الإرشادية الموجودة قبل مدة والتي تشير إلى وجود طريق مخصص لغير المسلمين هي عبارة عن إرث وجِد في المدينة وقُصد به تعظيمها”.
ويبدو أن اللوحات برأي الوهبي لم تكن تفعل ما هو غير الإرشاد، فيقول “لم يكن يوضَع بجانبها نقاط تفتيش تمنع دخول غير المسلم، والهدف كما تظهِر الدراسات التاريخية إما إبراز المكانة الدينية للمدينة، ولها خصوصية فلا يحدث فيها ما يحدث في سواها من المدن”. والهدف الآخر كما يشير الوهبي هو “القضية الأخرى، الإشعار بأن الإقامة الدائمة في المدينة هي حصر على المسلمين فقط، وهذا محل اتفاق بين العلماء”.
ومع وجود علماء دين وباحثين مسلمين أجازوا دخول غير المسلمين إلى المدينة المنورة، اتجه بعضهم إلى منح مشروعية لدخولهم إلى البقعتين المقدستين بشكل عام، في حين يرى آخرون ضرورة المنع للحفاظ على حرمة المناطق المقدسة التي تحظى بمكانة كبيرة لدى المسلمين.
وتعمل السلطات السعودية بشكل دائم على إعادة بناء الصورة الذهنية للبلاد وكسر إطار النفط والصحراء لتمتد إلى التعريف بالتراث وآثار الحضارات التي عاشت في شبه الجزيرة العربية