أسطورة “ناصر القصبي”

بقلم / وائل سعود العتيبي

ليس من المدهش أن تجد الضجة ترافق العديد من أعمال ” ناصر القصبي” ، وأن تستمع لأصوات من جميع المستويات الثقافية وفئات المجتمع ، لقد ناقشت أعمال” القصبي” خلال مسيرته الفنية العديد من القضايا الهامة والجريئة التى تعكس اهتمامات رجل الشارع العادى فى المجتمع السعودي بشكل كوميدى غالبا، و للعديد منها أبعاد سياسية واجتماعية لم يجرؤ غيره على مناقشة مثلها، وكاد بعضها يهدد حياته وخاصة التى تناول فيها قضايا الإرهاب وحارب فيها التطرف ، كما ناقش قضايا هامة كالفتنة الطائفية والوحدة الوطنية وتعددت لديه المواضيع والقضايا التي تناولها فنه .

إن رمي حجر في المياه الراكدة يحسب دائما للرقيب ، وللحركة الثقافية الاجتماعية ، فهذا الحضور المفرط في  الجرأة والحماس الشديد لمقارعة التابوهات عمل يستحق الثناء عليه ، لطالما كان القصبي مجتهدا مهموما بالفن، ذكياً ،عبقريا فى إدارة موهبته واختيار اعماله وهذا سر نجاحه طيلة عقود ، فالفنان المثقف له دور كبير وعميق التأثير اجتماعيا ، فعبر الإضحاك ناقش واقعنا ،وكسب ثقة و اهتمام الجمهور مهما اختلف عليه فهو يشاهده ويتفكر في عمله الفني وفي واقع المجتمع وينتقده ، وهذا التفاعل إيجابي دائما ، رغم قسوة الانتقادات .

فعلى سبيل المثال استنكرت إحدى أعضاء مجلس الشورى السعودي ” العمل الفني واعتبرته أمر متناقض مع المبادئ الإنسانية والأخلاقية وغير جدير بالضحك” على حد قولها .

وللمهتمين حول الاختلافات والتباين على أعمال القصبي أشير إلى كتاب بدرية البشر (معارك “طاش ما طاش” – قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي).

إن المبدع قد يكون في حالة خوف لا حد لها من سوء الفهم وتجاوز القصد  ولا أدري لما يتم تخويف المبدعين دائما بالقول إن هذا العمل أو ذاك لا يناسب التقاليد أو العادات السعودية ، فالحقيقة أنه لا يوجد شيء كذلك لاختلاف المعايير حتى داخل نفس البلد.إذ من الممكن أن تجد ثلاث بيوت مجاورة لكل منها منظومتها القيمية وقناعاتها الدينية والاجتماعية.

وافتراض فكرة أن هذه أخلاقنا وتجاوزها ممنوع، هي بالتأكيد فكرة تنتمي للعصور الماضية. ودور المثقفين و السينمائيين والنقاد والصحافيين وصناع الأفلام والدراما هو أن يذكروا الناس بأنه توجد أفكار مختلفة وأيضا أعمال مختلفة.

لذلك لابد من الحد من هيمنة النظرة أحادية الجانب في الخطاب الفني والثقافي.

وفي دفاعي عن الأسطورة” ناصر القصبي ” والذين يطالبونه بأن يغير طريقته وأسلوبه في أعماله متيقنين أن هناك تغيرات كبيرة حدثت في المجتمع السعودي أقول لهم أن كثيرا من ممثلي الكوميديا يكشفون من وراء قناع الضحك الذي يفجرونه عن قلب صادق متألم حساس ، كما تكشف الشخصية الإنسانية عن نفسها أثناء التمثيل ، فالحقيقة المدهشة لأعماله الفنية هي شخصيته الإنسانية، وهذا مايفسر عودة الممثل المستمرة لمظاهر طبع معين ، أو شخصية ما، ومثابرته على صياغة التعبير الكوميدي وثباته على موضوعات معينه، أنه بذلك يكشف عن مظهر من شعوره العميق ..فهذا الممثل الكوميدي لا ترى في أعماله إلا تلك الابتسامات والهزل فهذا بحد ذاته هدف اجتماعي يستحق التقدير فهو يغسل هموم الناس ويخرجهم من كأبة الواقع المعاش ، وإذا رأيت أن اعماله تناقش أفكارا مثيرة للجدل ، فلابد الإقرار بأهمية ذلك لأن التعددية والجدل هم أساسان لا غنى عنهما لتطوير الثقافة والوعي ولتعزيز التوجّه نحو جودة الحياة من خلال الفن .

إن علاقة الثقافة بالوعي متداخلة، وذلك من خلال التوفيق بين الحرية والالتزام الذي لن يكون رحباً إلاّ بظلّها وفي إطار مرن بحيث يمكن قبول التنوّع والتعددية وهما أساسان في كل مجتمع ناهيك عن كل عمل إبداعي.

 

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.