فوزية عباس / روافد
يقع شارع بيت القاضي في منتصف شارع المعز بمدينة القاهرة المصرية ، وهو من أحد أهم وأشهر مناطق شارع المعز، بل والجمالية كلها، وهو الرابط بين كلًا من الجمالية والحسين وشارع المعز، وهو الشارع المواجه لمجموعة السلطان المنصور قلاوون الشهيرة.
وقد كان الشارع في الأصل جزءًا من قصر الزمرد الفاطمي، وقصر الزمرد هو جزء من القصر الشرقي الكبير وكان قصرًا عظيم البناء على مساحة 70 فدانًا، وهذا القصر وصفه العديدين وما كان عليه من عمارة وبهاء، وما كان فيه من قصور صغيرة وبساتين، منها قصر الزمرد.
وفي العصر المملوكي آل قصر الزمرد إلى سيدة اسمها “تتر الحجازية” وهي ابنة السلطان المملوكي البحري الشهير الناصر محمد بن قلاوون.
وقامت تتر ببناء مدرستها وقصرها في هذا المكان، ثم جاء جمال الدين يوسف الإستادار، أيام السلطان برقوق واستولى عليه، وتحول القصر إلى سجن، ثم جاء الأمير ماماي السيفي أحد أكابر أمراء السلطان المملوكي الأشرف قايتباي وبنى قصره في هذا المكان عام 1496م، وقد اشتهر ماماي بدوره المهم فى إتمام الصلح بين الدولة المملوكية والدولة العثمانية في أواخر القرن الخامس عشر.
وبعد وفاة السلطان قايتباي، كثرت الفتن بين الأمراء المماليك وتوترت الأحوال السياسية الداخلية، حتى وقعت فتنة عام 1497م، وقتل فيها أتباع السلطان وكان من بينهم الأمير ماماي، وتم هدم جزء كبير من القصر، ولم يتبق سوى المقعد الذي تدل فخامته وكبر حجمه على مدى فخامة وسعة القصر نفسه. حيث كان المقعد ملحقًا بقصر الأمير ماماي، الفخم الذي كان مدخله يقع بالضلع الجنوبي الشرقي، وهو الجزء الوحيد الباقي من قصر الأمير ماماي السيفي.
وفي العصر العثماني أصبح مقعد ماماي مقرًا للمحكمة الشرعية، حيث اتخذ قاضى العسكر منه سكنًا له بالأعلى، ومن المقعد مقرًا لجلساته وحجز المتهمين وتنفيذ الحكم عليهم أيضًا، لذلك أطلق على المقعد اسم بيت القاضي.
يذكر أن تلك المحكمة لعبت دورا كبيرا في الحياة السياسية المصرية، خلال العصر العثماني، حيث كانت المكان الذي تتجمع أمامه الانتفاضات والثورات الشعبية ضد الولاة العثمانيين.
كما شهدت هذه المحكمة اجتماع ممثلي الشعب المصري من العلماء والأشراف ونقباء الطوائف والحرف في عام 1805م، وقاموا بخلع الوالي العثماني ومبايعة محمد علي باشا لتولي حكم مصر بالشروط التي اتفقوا عليها. وكان هذا الحدث في غاية الأهمية، حيث كان لأول مرة في تاريخ مصر الحديث يختار الشعب حاكمه بنفسه بالشروط التي وضعها.
واستمرت المحكمة الشرعية في هذا المكان حتى عام 1900، حين انتقلت إلى منزل محمود سامي البارودي في الحلمية الجديدة، ثم في 1925 قامت لجنة حفظ الآثار العربية بترميم المقعد وإعادته إلى أصله.
وقد أقيمت على بداية الشارع بوابة بيت القاضي التي يذهب البعض إلى أنها بنيت خلال فترة حكم محمد علي باشا (1805-1848م)، وعلى الرغم من عدم وجود ما يؤكد ذلك؛ إلا أن هذا الطراز يتشابه مع طرق البناء والزخرفة في الآثار التي تنسب إلى عصر محمد علي. وقد شيدت هذه البوابة لغرض أمني.
وفي عهد الخديو إسماعيل قام باستغلال فناء قصر ماماي وحوله إلى ميدان، وقام بفتح شارع بيت القاضي في عام 1873م ليصل شارع المعز بشارع الجمالية، نظرًا لافتتاحه مجلس الأحكام أي محكمة الاستئناف في الميدان.
ثم بعد ذلك تم تشغيل خطوط أتوبيس هيئة النقل العام وصار ميدان بيت القاضي موقف لها، وفي أحد الأفلام القديمة إنتاج ما قبل عام ١٩٥٦م، يظهر أتوبيس نقل عام عليه لوحة “بيت القاضي”، وألغيت هذه الخطوط في عام ١٩٥٦م، وكذلك من الأشياء الطريفة كان وجود حوض للدواب وسط الميدان ولكن في عام ١٩٥٠ ألغيت أحواض الدواب بالقاهرة، وحاليًا هو مركز لبيع الموازيين في الجمهورية كلها.
وصف مقعد ماماي السيفي:
المقعد هو المكان الذي كان مخصصًا لاستقبال الرجال في البيوت منذ العصور الوسطى، واستمرت حتى القرن التاسع عشر.
أما عن مقعد ماماي المتبقي فإنه يرتفع عن سطح الأرض بحوالي 10 أمتار، وواجهته تتكون من قاعة مستطيلة لها سقف خشبي محلي بزخارف ملونة ومذهبة، على شكل “حدوة فرس”، ومحمولة على أربعة أعمدة تمثل شكل زهرة اللوتس.
والدور السفلى يتكون من باب كبير، وهى غرفة الإعدام، معلق بداخلها حتى الآن المشنقة المستخدمة فى تنفيذ الحكم، وثلاث غرف صغيرة تستخدم كحجز للمتهمين يتوسطها نافذة مفرغة لدخول الهواء والإضاءة للمحجوزين بالداخل.