عبدالله الينبعاوي_جدة:
ثالث جلسات ملتقى قراءة النص 17، الذي ينظمه النادي الأدبي الثقافي بجدة، بالتعاون مع جامعة الأعمال والتكنولوجيا، تحت عنوان “الأدب العربي وفضاءات المثاقفة”،
أدارتها الدكتور أشجان هندي،
واستهلها الدكتور محمد مشبال، ببحث عن “ملامح المثاقفة في التفكير البلاغي العربي الحديث أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين”، سعى من خلاله إلى الكشف عن بعض ملامح التفكير البلاغي التي نجمت عن اتصال البلاغيين العرب بالبلاغة الغربية؛ متناولاً جهود كل من أمين الخولي ولويس شيخو وجبر ضومط والأب خليل إدّه اليسوعي في بناء الحقل البلاغي؛ مرتئيًا أن هؤلاء البلاغيون أعادوا للبلاغة نزعتها التنظيرية، كما أعادوا ربطها بالأدب وبالخطابات التداولية؛ فلم تعد البلاغة مرتبطة بالمحسنات الأسلوبية فقط، بل أصبحت مرتبطة بالوظيفة الإقناعية، وبالأنواع الأدبية والخطابية المختلفة. وبكلمة واحدة؛ لقد وضع هؤلاء البلاغة على طريقها الواسع الرحب.
فيما تناول الباحث صالح عويد الحربي “القصيدة الفصحى بوصفها شهادة ثقافية”، مناقشًا أسباب ارتباط الشعر كمنتج ذوقي وتعبيري ليصبح دلالة على الانتماء إلى طبقة ثقافية معينة، بل يصبح وسيلة يحصل بها الشاعر على الاعتراف بثقافته واطلاعه. ومن خلال النص الفصيح يحاول الشاعر أن يستعرض مدى عمق وسعة الاطلاع. دارسًا كذلك تجليات الثقافة الاستعراضية في النص الفصيح ومظاهرها المتعددة من خلال منهج سيميائي وفني تتبع المظاهر الشكلية والفنية التي يحملها النص، والتي تعبر عن رؤية ثقافية أكثر من كونها أداه فنية أو جمالية.
وناقش الدكتور فهد إبراهيم البكر الرواية الرسائلية بين التوهج العربي والجذور الغربية، من خلال قراءة لأشكال التثاقف السردي غير المباشر، مشيرًا إلى أن دراسته تسعى نحو الاعتراف بالرواية الرسائلية العربية بوصفها جنساً روائياً فرعياً يستمدّ جذوره وأصوله من شكل عُرِف قبل ذلك في الأوساط الأوربية قبل أن يعرف لدى العرب بحوالي قرن ونصف تقريباً.
وطرح الدكتور أحمد صبرة حزمة من الأسئلة في مفتتح ورقته المعنونة بـ”إساءة التمثل بوصفها إشكالية المثاقفة في النقد الأدبي”، ومن بين هذه الأسئلة: هل تتحول النظريات النقدية إلى شياطين بمجرد أن تطأ أقدامها أرضا غريبة؟ هل يمكن عزل المثاقفة في حقل الدراسات النقدية عن مجمل التفاعلات في الحقول الأخرى؟ هل حسن التمثل للنظرية النقدية صك للغفران من خطيئة المثاقفة؟ أم تظل المثاقفة خطيئة تطارد أصحابها إلى أن يتوبوا؟ ماضيًا إلى الإجابة عن هذه الأسئلة في بحثه، مشيرًا في ضميمته إلى أن هناك تراكمًا معرفيًا هائل وراء هيمنة النموذج الغربي الذي أسأنا تمثل نظرياته النقدية لا يمكن اختزاله في قوة السلاح أو في قوة الاقتصاد، وأن هذا التراكم المعرفي، الذي لا تخلو منه حضارة، أثمر في حالة الغرب آثارا إيجابية غيرت من شكل الحياة على الأرض، وجعلتها أكثر راحة، وأنه لكي تزحزح من هيمنة هذا النموذج لا بد أن يُحدث التراكم المعرفي الموجود في الحضارات الأخرى آثارا شبيهة أو بديلة لما حدث في الغرب. وهو أمر لا يتم إلا بإعادة تأمل ما وُرث من معارف، واستبعاد العناصر المعيقة فيها، ثم إعادة صهر ما تبقى.
وتحت عنوان “الميتاقص في الرواية العربية – ترف جمالي أم هوية سردية؟” ورقة قدمتها الدكتورة آمنة بنت عارف حجَّاج، مشيرة إلى أن الميتاقص يعد ظاهرة سردية قديمة في الفكر الغربي، لكنها تبلورت وشاعت وغدت نمطاً سرديًّا في أواخر ستينيات القرن العشرين مع الروائي (ويليام غاس)، وارتبط المصطلح برواية ما بعد الحداثة وتياراتها المتنوعة، لا سيما تيار الوعي الذاتي. وقد اختلف في تعريف الميتاقص لدى الغربيين وتعددت المفاهيم المحيطة به، غير أنها ترتكز حول تعريف (غاس) له، وهو عنده القص الذي يجذب الانتباه إلى نفسه، ولعل هذا الانجذاب هو ما دفع بعضهم إلى تسمية السرد المعتمد في بنائه على هذه التقنية بالسرد النرسيسي أو السرد النرجسي. مبينة أن هذا المصطلح ارتبط بتيار التجديد في الأدب العربي الذي ظهر في أواخر الستينيات؛ نتيجة تطورات سياسية وثقافية وحضارية كبرى عصفت بالمجتمعات العربية وهزت أركان الذات، فمال الكتاب على أعقابها إلى رفض البنى التقليدية ونزحوا نحو الجديد الذي يتسق ومتغيرات الواقع المعيش بناء وفكراً.