أميمة عبد العزيز زاهد
سألتني: لماذا طلقك زوجك؟ كتمت مشاعري الذابلة، فرفضي للإجابة لن يجدي، ستظن بأني خائفة من أن تخونني قواي وأعترف بأني كنت زوجة فاشلة وأحمل لقب مطلقة، ورغم أني قد مللت من هذا السؤال، فقد تعودت على الفضول من قبل الآخرين، ولكن سؤالها الآن كان بمثابة طلقة أحاطت بعقلي، ليس لعجزي عن الإجابة، ولكنه سؤال دفعني إلى ذكريات أليمة حاولت فيها النسيان على مدى سنوات طويلة، سنوات فشلت فيها في دفن ذكرياتي.. ذكريات جعلتني أفتح من جديد ملفات حياتي وأصارح نفسي بالحقيقة.. حقيقة رجل دفعه تسلطه وجبروته إلى هدم نواة أسرتنا الصغيرة.
فقد كانت كل الشواهد تؤكد فشل الزواج، وأنا الوحيدة التي كنت معصوبة العينين، فقد استمالني بحديثه المتقن، ونسج لي خيوطاً مبعثرة من الأمل حتى يصل إلى هدفه، جعلني أراه نموذجاً للرجل المثالي، ووافقت أسرتي بعد العديد من المحاولات المستميتة، وتم كل شيء بيني وبينه بالاتفاق، ورسمنا معاً سيناريو كاملاً لحياتنا من جميع الجوانب، ولكنه مع الأسف خرج عن النص.
أعترف بأن الذنب ذنبي، فقد اندفعت بكل حبي وبكامل عطائي.. كنت أتجدد من ذاته، أودعت فيه أقصى العطاء، وانطبعت بداخله، وأصبحت أعكس مزاجه وأفكاره وأحزانه وأفراحه، اعتقدت بأن السعادة ترفرف على حياتي وتحتضنني بأجنحتها، فأغدقت عليه حناني كالأم التي تحمي وليدها وتلفه بين ذراعيها، فرشت عينيَّ ساحة للسلام، وكان ثمن السلام بيننا أنه أساء فهمي، فقد كان يهجم بشراسة ذئب ويعتذر ببراءة طفل، وأعتقد بأن حبي سيبرر له تسلطه واندفاعه، وكم من المرات حذرته من خطورة تهوره، فمهما حدث بيننا لا بد أن يتحكم في أعصابه ولا ينطق بلفظ الطلاق، فما الفائدة لو حدث المحظور فلن يرجعنا الندم أو الحب.
ولكن مع الأسف كان يردد اللفظ كأسطوانة، ويعتبره وسيلة من وسائل الضغط، ويعود بعدها نادماً، ويسترضيني بكلمات جوفاء، بعد أن يكون قد أدمى مشاعري.. ورغم ذلك استمريت معه لأني أحبه.. تحملته بدل المرة ألفاً، ويدي على قلبي الذي كان يخفق بحبه ويخاف من فلتات لسانه، ولكنه انتزع كل ما تمنيته من الحياة، وخذلني وخذل حبي ونفسي وأحلامي وتخيلاتي، خذل حتى أوهامي، وعجزت بكل ما أملكه من عواطف ومشاعر وأحاسيس من الاحتفاظ بوعده لي بحياة آمنة مستقرة، حتى حانت لحظة الفراق حين انفجر كقنبلة موقوتة وضيع حياتنا بأربعة أحرف فقط، دون أي تفكير وبلا تردد قالها واستنفذ ما لديه من رصيد، ولم يكن هناك مجال للعودة، وندم على فعلته وحاول واستمات من أجل أن نعود مرة أخرى، طرق جميع الأبواب ولا من مجيب، تألمنا وبكينا وتعذبنا، ولكن ما الفائدة؟ وذهب كل منا في طريق.
وتنبهت من شرودي فجأة على انتظار السائلة للإجابة، لم أعرها اهتماماً تركتها ورحلت، فقد زرعت بداخلي القدرة على ترويض ذهني وقمعه عن الرد بصوت مسموع في سبيل إرضاء فضول الآخرين، ووصلت لمرحلة انتصار جديدة في حياتي، كنت أفوز خلالها بلحظات خالية عن كل ما يشغل بالي، وأترك أعصابي ترتاح من الهموم والذكريات المؤلمة.