أميمة عبد العزيز زاهد
جاءتني إحداهن بقايا امرأة تحمل بداخلها هموم العالم، ويكتسي الانكسار ملامحها وفي صوتها حزن دفين يرفض أن يغادرها، قالت لي هل من الممكن أن ينهي إنسان حياة الآخر في لحظة، ويصدر عليه حكماً بالإعدام المعنوي، وهو مازال على قيد الحياة ويقطع بيده الشعرة الرقيقة التي تربطه بهذه الدنيا؛ ليتحول بمنتهى السهولة إلى ذكرى؛ فهل تصدقين أن شريك رحلة حياتي يطلقني بعد زواج دام ثلاثة عقود؛ لأنه اكتشف وجود هوة سحيقة بيني وبينه فكرياً ونفسياً وثقافياً. مع الأسف يتكرر مثل هذا المشهد بشكل مختلف، فهناك من تشكو من قسوة زوجها ومعاملته الغليظة والتوبيخ والإهانة والضرب..
وهناك زوجة تخبرني بأن زوجها بعد عشرة أعوام أخبرها بأنها أصبحت لا تروق له بعد أن ازداد وزنها وشحب لونها وهو ما يزال في كامل رشاقته وشبابه، وذهب يبحث عن زوجة شابة تناسبه وعندما تقدم للأخرى اشترطت عليه حتى يتم زواجها منه عليه أولاً أن يطلقني ويطلق أبنائي معي؛ حتى يتفرغ لها ولأنه رجل عند كلمته لم يتوانَ عن طلبها وهجر بيته بلا رجعة، واعتبرني مثل خيل الحكومة التي لابد من إعدامها بعد أن أدت مهامها بنجاح..
وإني لأتساءل هل من حق الزوج أن يختار الوقت المناسب لإنهاء حياته الزوجية، ويقفل ملف خدماتها إلى الأبد دون مناقشة أو تبرير، فتلك المرأة التي طلقها غيابياً وتوسلت إليه ليعيدها إلى عصمته؛ لأنها كبرت في السن وهو بقراره هذا قد قهرها وظلمها، واختار الوقت غير المناسب بالنسبة لها، فليس لها معين ولا مصدر رزق وهي في خريف العمر، وليس هناك بقية عمر لتبدأ حياة أخرى بعد ما أعطت وأنفقت وأفنت كيانها وعمرها وشبابها ومالها، وهذا وضع طبيعي لأنها ملّكته ووهبته ذاتها برباط مقدس وجدت في النهاية نفسها فجأة بلا مال ولا بيت ولا زوج، وهي في سن تحتاج فيها إلى المزيد من الحب والرعايا، لا أن يقتلعها اقتلاعاً من جذورها كنخلة شاخت ولم تعد تسقط ثماراً، فبعد أن استظل بظلها سنوات وجنا الثمر لم تعد تنفعه أو تفيده بشيء..
تُرى من أعطى الحق للزوج بالتغيير وقتما شاء وأن يضفي رونقاً جديداً على حياته بعد شعوره بالملل من طول العشرة. تُرى من أين له القدرة في التفنن بخلق الأعذار لنفسه والإيحاء لها بالحالة النفسية الصعبة التي يعيشها وبأن زوجته لا تهتم به، أو إنها كبرت بالسن ولا تستطيع التنقل معه كالنحلة من مكان لمكان، أو إنها تحمل بين ملامحها الحزينة بقايا أنثى أتى الزمن على جمالها. إنها معادلة غير عادلة فيها إجحاف للعشرة والألفة خاصة أن الإسلام دين الحق أنصفها، ولكن مع الأسف هناك بعض الأزواج قد ظلموها وهضموا أبسط حقوقها.