بقلم
بدرية بنت حمد السيابية
سلطنة عمان
أصبحنا في زمن التطور اللامحدود، كل ما تشتهي النفس تجده موجود أمامك دون العناء وبذل المزيد من الجهد لجلب الغرض المراد به، أو كما نسميه ونقرأه في بعض الإعلانات “اطلبه الآن” كطلبيات الأكل، والملابس، وبعض الكماليات. لقد كان في الماضي الإنسان يعتمد على نفسه في كل النواحي من تلبية طلباته الخاصة والعامة، وكسب معيشته، والنهوض مبكراً مع صياح الديك، فيذهب إلى حقلهِ مع وجبة صحية لا تثقل بدنه، وبملابس العمل البسيطة، وعندما ينتهي من عمله يغسلها ويعيد لبسها في اليوم الآخر، ويذهب لعمله بكل روح متفائلة، متوكلاً على رب العالمين، ويبيع ما حصده من ثمار زرعه، ليشتري ما ينقصه من مواد أساسية يحتاجها هو وأسرته، كل حسب مجال عمله سواء كان صياداً، أو نجاراً.
لم يتكل على غيره ولم يكن عثرة في طريق أحد، فكانت البساطة تحتوي قلوبهم الجميلة، وحياتهم مفعمة بالحيوية والنشاط، يجلسون في مجالس تجمعهم المودة والتآلف، ويتسامرون في حديثهم بكل مصداقية، وتعلو صراحة قلوبهم مغمورة بالحب الصادق بينهم، فلا يغتابون ولا يتنابزون، ويتقاسمون بينهم ما أحله الله لهم من طعام، يُعلّمون أولادهم معنى العمل الصالح ونطق الكلمة الطيبة لتسري في ألسنتهم، فما أجملها من أيام، وما أجمله من جيل كما سماه البعض “زمن الطيبين”.
ما أجمله من زمن!! مضى بحلوه ومره، تاركاً وراءه الذكريات الجميلة التي لن تُنسى، وستظل محفورة في عقولنا وقلوبنا، فنحتفظ بالصور هنا وهناكَ، نجمعها في برواز لنجمعها بصورة واحدة متلاحمة بكل معاني الحب والمودة، مع تمنياتنا أن تتوقف عقارب الساعة وأن تبقى الحياة كما هي ببساطتها وحلوها، ولكن لابد أن تستمر الحياة وتدور عجلتها إلى أن يأتيها أمر من الخالق سبحانه وتعالى ويتوقف كل متحرك ويصبح ساكناً وصامت.
أعود بأفكاري لزماننا، وأفتش بين ثنايا الضحكات عن سعادتنا، وتأخذني الأحاسيس إلى أحلامنا، وأرى الثواني تمضي من أمامنا، ولا تزال نفس المشاعر فينا، ودفاترنا لا زالت مملوءة برسم طفولتنا، ومقاعدنا لا زالت تحوي دفء حكاياتنا.
الزمن كما هو لم يتغير فيه شيئاً، الشمسُ تشرق من الشرق وتغيب من الغرب، ولكن للأسف أصبح التغير النفسي لدى البعض هو المحرك الرئيس في اللقاء والعمل، وأصبحت الردود والحديث مختصرة، ومع التطور الحاصل الآن تغيرت الأحداث، فأصبحنا نختصر كل شي “برسالة ” الإعتذار عن حضور مناسبة ما، أو تعزية، أو تهنئة، أو زيارة مريض، حتى أصبح هذا التغير بيننا بصورة كبيرة، وكمثال على ذلك؛ عند طلب كوب من الماء ترسل رسالة عبر “الواتساب”، سواء ترسل الرسالة في الخاص أو عبر مجموعة تم إنشائها للأسرة الكريمة للموجودين في البيت لتلبية طلبك بكل أريحية دون العناء.
نعم للتطور ولكن! علينا أن لا ننسى بأن نفرق بين التطور الإيجابي والتطور السلبي، ولا تجرفنا الأمواج العاتية إلى عالم مجهول ومظلم دون التثبت بلوح النجاة مغمضين العينين نحو الأصعب، وعلينا الابتعاد عن التقليد الأعمى بكل حالاته، وبأن نكون حازمين بكل خطوة نخطوها نحو الأفضل والتطور الإيجابي لنتعلم منه ونسعى في تعديل الأخطاء دائماً، ونعيش حياة جديدة، ولا ننسى كيف كان أجدادنا عاشوا في هذه الحياة بكل كفاح وجهد ومثابرة، فملامح وجوههم خير شاهد، وتشقق الأيدي والأرجل. لقد عملوا كل حسب مهنته متوكلين على رب العباد، فخاضوا البحار وشقوا الطرق، وغرسوا بصماتهم بكل جهد واستمرار فرحين بما أنجزوا،
فلنأخذ صفاتهم الجميلة ونتعلم منهم، ونطبق ذلك بكل نفس راضية مقتنعين بما نقوم به، وسنحكي للأجيال القادمة كل ما هو جميل في ماضٍ قد مضى.
ربي يسعدك وبارك الله في قلمك الجميل ..مقال جميل وعنوان أجمل وبكلماتك نحتذي جزاك ربي خير
أختك
أسماء الغبر