بقلم الباحث التاريخي/ الاستاذ عدنان العمري
صنع الإنسان الملابس كحاجة فطرية لحماية الجسم من عوامل الطقس والمؤثرات الخارجية وللتكيف مع ظروف البيئة المحيطة وبمرور الأزمنة اكتسبت تلك الملابس قيما ثقافية تظهر في أشكالها وأنماطها وهي تعبر عن ثقافة الإنسان في بيئته من خلال إبرازها في الزي كأحد أشكال الثقافة.
وللزي تاريخه في الجزيرة العربية وهو تاريخ ممتد لاحدود له وقد تناقل الشعراء منذ الجاهلية أشكال الزي وعدوها جزء من الجمال فيقول امرؤ القيس
خَرَجْتُ بها أمشي تَجُرّ وراءَنا … على أَثَرَيْنَا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ
والمرط هو ثوب من خز ويقال للإزار مرط.
اما المرحل فهو الثوب المنقوش بنقوش تشبه رحال الإبل
ويقول المتنبي :
بِأَبي الشُموسُ الجانِحاتُ غَوارِبا … اللابِساتُ مِنَ الحَريرِ جَلابِبا
والجلابب جمع جلباب وهو ما يلتحف من الثياب
والشواهد كثيرة حول ماورد عن أصالة الزي العربي في التاريخ وهو جزء من الهوية لذلك تقوم الجهات الثقافية المهتمة بالتراث بالمحافظة على العادات والقيم الأصيلة وتحرص على صيانتها وضمان توريثها للأجيال والزي من أكثر الشواهد ظهورا ويُستشهد به على كثير من المؤشرات الاجتماعية والثقافية والاجتماعية وكذلك المنزلة الاجتماعية والجنس والعمر والملابس والأزياء عموما تكشف لنا عن جانب من التراث غير المادي للأجيال فهي تعبر عن مراحل تاريخية مررنا بها ، كما أن حياكة الملابس وتطريزها وأشكالها أكسبها قيما ثقافية فنجد الملابس التي تتناسب مع الطبيعة الجغرافية لكل منطقة ، كما أنها تدل على الانتماء لقبيلة أو قوم أو فئة .
وهناك ملابس للحياة العامة وأخرى للمناسبات كما أن أصالة تلك الملابس لاتكمن في عمقها التاريخي ، بل أيضا في خضوعها للقيم الاجتماعية للمجتمع السعودي . فنجد الحشمة والستر ملازمان لأصالة ذلك الزي والأمة التي تفتخر بموروثها هي أمة قوية لها أهدافها التي تسعى لتحقيقها وغياب الزي الأصيل وهيمنة الزي الوافد شكل من أشكال الاستعمار فالأمة المغلوبة تتبع الغالب وتفقد هويتها .
وقد جسد سباق الخيل في السعودية وماتضمنه من اعتزاز بالموروث العربي السعودي الذي هو امتداد للعرب الأوائل مقولة التابعي الجليل سيد بني تميم الأحنف بن قيس رحمه الله وهو أحد المخضرمين : لاتزال العرب عربا مالبست العمائم وتقلّدت السيوف ولم تعد الحلم ذلا ..
قال المبرد : ( أي ماحافظت على زيّها ، وامتنعت من الضيم )
ولم تعتبر العفو والصفح مع القدرة مهانة .
الزي المقصود هنا هو الزي ذو الخصوصية الثقافية وليس الزي الفاقد للخصوصية الثقافية إما ابتداء ،أو من خلال صيرورته التي انتهى إليها
وماشهدناه في كأس العالم للخيول من أزياء تراثية هو تعبير وشكل من أشكال الأصالة التي نعتز بها وهو اعتزاز بالتراث يؤكد عليه المسؤولين فأصالة الخيول تناسب مع أصالة الزي ، وهذا الأمر يعزز الشعور بالثقة للمجتمع والأجيال القادمة ولانملك إلا تقديم الشكر لكل من ساهم في إبراز الأصالة بكل صورها ونأمل أن يتم تعميم ملابسنا الوطنية التراثية في جميع مشاركاتنا الثقافية في المهرجانات التراثية والوطنية والعالمية
واصالتنا تنطلق من قيم ديننا الحنيف واعتزازنا بتراثنا فخر وقوة لنا مقال جميل يستحق الرفع والإشادة