مكتوبا بالطباشير على لوح الصف وقتَ الاختبارات، أتذكّر جيدا الحديث الشريف “مَن غشّنا فليس منا”. كان الغش وصمة عار، ونشاطا مرتبطا بأولئك الطلبة “الكسالى”، المتمردين، الصعاليك. كان نشاطا تمارسه شريحة هامشية لا يُتوقّع لها مستقبل باهر، بل لا يُتوقع لها مستقبل أصلا. وكان مجترحوه -بوسائلهم المتواضعة مثل “البراشيم”- حريصين على إبقائه ضمن دوائرهم الخاصة درءًا للفضيحة.
يُكرّر الحديث الشريف ذاته على الطلبة اليوم، ولا يثير رهبة كبيرة فيهم، واأسفاه! بل صار العكس صحيحا، مَن لا يغش، “فليس منا”؛ مَن لا يغش شخص غريب وجبان. نعم، صار الغش بطولة ومَفخرة، وسببا للاندماج في مجتمع المراهقين، ووسيلة مريئة للتفوق.
لهذا نجد خطابا حِجاجيا ينتشر بين الطلبة بل وأهليهم أحيانا؛ “هذه مساعدة”، “هذا تعاون”، “الكل يفعل هذا”. ولوي عنق الحقائق بهذه الطريقة حيلة قديمة لإسكات الضمير. كحيلةِ المرابين الذي نقل القرآن الكريم تسويغاتهم {… إنّما البيع مثل الربا …}، وكحيلة النمرود حين جابهه إبراهيم -عليه السلام- بحقيقة أن الله يحيي ويميت، فأُسقط في يده، وجاء بمواربة عقلية سمجة.