فاطمة محمد مبارك -أبها
أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ أحمد بن طالب بن حميد في خطبة الجمعة؛ العباد بتقوى الله سبحانه وتعالى في السرّ والعلن، والإكثار من ذكره، وأن يعلموا أن للقلوب زكاة ونماءً، كنماء الأبدان، وأغذية وأدواءً، فمن اتقى نواقض الشرك ونواقصه، ونقّى قلبه من أوساخ البدع والذنوب والمعاصي، فقد أفلح وتزكى، مبيناً أن الله سبحانه وتعالى أقسم على فلاح من زكى نفسه، وخيبة من دنسها، في قوله جلّ جلاله : “وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا”.
وتحدّث الشيخ بن حميد عن مكانة القلب من سائر الجسد، ينشغل به المرء في طاعة ربّه جل وعلا، وإخلاص العمل والعبادة له سبحانه، وبصلاحه يصلحُ العمل كلّه، وبفساده يخيب سائر العمل.
وأوضح فضيلته أن الناس يوم القيامة صنفان: أهل إجرام وتدسية أو أهل فلاح وتزكية، فلا زكاة ولا فلاح إلا بفضل الرحيم الرحيم قال الله تعالى: “ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم”.
وقال الشيخ أحمد بن طالب بن حميد: إن العروة الوثقى والوسيلة العظمى، توحيدُ محبةٍ وخضوع، وصلاةُ قنوتٍ وخشوع، ولسانٌ رطبٌ من ذكر الله، ومحبةٌ واتباعٌ وتعزيرٌ وتوقيرٌ لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – مبيناً أن القلب إذا امتلأ بشيء ضاق عن غيره، والمزاحمة مدافعة، والغلبة للكثرة، والقلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إلى الله أرقّها وأصفاها، وإنما يكون ذلك بما يُصبُّ فيها قال الله تعالى : ” قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ”.
وأضاف أن القلب لم يكن أن يتّسع للشيء وضده، فمن ترك المأمور شُغل بالمحظور، ومن أنقض ظهره بالأوزار، ضعُف عن الأذكار، ومن أضنى نفسه في الإبداع، زهُد في الاتباع، ومن علت همته، سلمت من الآفات مهجته، مستشهداً بقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : “مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وأَتَتْهُ الدُّنْيَا وهِيَ رَاغِمَةٌ، ومَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، ولَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ”.
وبين أن مِن عاجلِ البُشرى لمن أقبل بقلبه إلى ربه، أن تُقبلُ قلوب العباد إليه، وتتوافق على حبه، مورداً قول بعض السلف في ذلك: “ما أقبل عبد على الله بقلبه إلا أقبل الله عز وجل بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم”.
وختم فضيلته الخطبة مذكراً، أن القلب ملكُ الجوارح وسلطانه، فبصلاحه يصلُحون، وفسادهم بفساده، فهنيئاً لمن تعاهد قلبه، وأرضى ربه، مبيناً أن القلب هو مقصود الأعمال، ومعقود الآمال، وإذا استحلى اللسان ذِكر الله وما والاه، وأسرعت الجوارح إلى طاعة الله، فحينئذ يدخل حبُّ الإيمان في القلب، ويصير الخروج من الإيمان أكره إلى القلوب من الإلقاء في النار، وأمرّ عليها من الصبر، وما صفى القلب ولا حلى الذكر ولا صلُحت الجوارح ولا رُفعت الأعمال بمثل الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.