عوض بن علي الوهابي – مشرف تربوي
الأصل أن مرحلة التعليم عن بعد هي حالة استثنائية ومرحلة طارئة يرجى فيها تقليل خسائر التعلم والخروج بأقل أضراره , وهو توجه تفرضه الحاجة وتداعيات الظروف الراهنة وليس خيارا ولا هو من الترف التعليمي أبدا , خصوصا في مناهج دراسية معينة فلا يغني عن غرفة الصف وحجرة الدراسة أي بديل آخر فهي سيدة الموقف التعليمي وفيها تصاغ خبرات التعلم البنائي وتتم ممارسته وتحقيق الشغف تجاهه وتعزيز المهارات والتعلم مع الأقران والتفاعل الصفي فيها يكون في مستويات عليا , هذا بالإضافة إلى أن أدوار التقويم تكون حاضرة وفاعلة التكويني منه والختامي وبدءا بالتشخيصي وتحقق لهذا التقويم مستويات مناسبة من مصداقيته وفاعليته وحضور التغذية الراجعة المبنية عليه .
هذا الإيجاز –لا أعتقد – أنه موضع خلاف بين التربويين في أهمية وأدوار التعلم الحضوري المباشر في حجرات الدراسة وبما أننا اضطررنا لخيار آخر مؤقت للتعلم خلال هذه الفترة فإنه يجب علينا أن نتعامل مع هذا التحول بإيجابية كاملة وبفاعلية تامة وأن يكون التعاون واسعا ومستمرا بين المدرسة والأسرة التي تمثل الآن بيئة التعلم الافتراضية ( عن بعد ) .
ومع ذلك فإن علينا أن نتأكد من مستويات التعلم وأن تكون في الحدود التي تؤمّن خبرات الطلاب وتنقلهم بأمان وتكامل إلى مرحلة العودة لفصولهم وتبعا لذلك فإنه من الأهمية متابعة ما يعرف بالفاقد ( أو المفقود ) التعليمي فقد أمضى طلابنا وطالباتنا هذا العام ما يزيد عن عشرين أسبوعا دراسيا كان تعلمهم وتقويمهم فيها عن بعد .
وأركّز هنا على جانب متابعة التعلم ومراقبة مستوياته ومن ثم معالجة الضعف أو الفاقد الذي قد ينتج وذلك عن طريق التقويم بمختلف أدواته وممارساته ومايعقبه من خطط علاجية وبنائية .
إن الملاحظ خلال الفترة الماضية من هذا العام أن هناك ارتفاعا ملحوظا في مستوى درجات ونتائج الطلاب والطالبات وهذا ليس دليلا قطعيا بجودة تعلمهم ولكنها بسبب أن عمليات القياس تلك كانت تتم عن بعد وكان الطلاب والطالبات ( يستعينون فيها بأكثر من صديق .. غالبا ) ..
وهذا واضح للجميع , ومتوقع أيضا أن تلك النتائج لا تعكس مستويات التعلم بقدر مناسب من المصداقية , وإن إدراكنا لوجود فاقد تعليمي هو إحساس مهم بالمشكلة ولكن أن نلجأ لذات المدخل وهو ” الاختبارات ” فنجعلها معالجة أخرى فهذا مجرد تكرار لذات الخطأ لأننا سنحصل على تلك النتائج ” العالية ” لمتوسطات الدرجات وبالتالي لن نتحسس مواطن الضعف ولن نستطيع أن نكتشف مواضع الفقد في التعلم ..
إن قياس نتائج الاختبارات باختبارات مماثلة ومعالجة نتائجها باختبارات أيضا هو عمل غير مجد إذ أصبحت الاختبارات هي الخصم وهي الحكم وهذا غير منطقي .
والأعجب من هذا أننا سوف نلجأ لقوائم طويلة عريضة من المتوسطات والمؤشرات والتصنيفات الرتبية والفئوية ونطاقات …. إلخ
وكلها مازالت حتى الآن في مرحلة الرصد , وهو رصد رقمي أؤكد أنه غير دقيق وغير صادق بما يكفي .
والسؤال : ثم ماذا ؟
ماذا بعد هذه الاختبارات وهذه الأكوام الرقمية المهولة والمتوسطات والمنحنيات ؟
ماهي الإجراءات العلاجية التي نفذت ؟ وهل بنيت خططا دقيقة وفعالة للمعالجة ؟
هل تمت ملامسة الممارسة التدريسية للمعلم وتتبعها ودعمها وهل نوقشت حلولا لزيادة تفاعل المتعلمين ؟ وهل بنيت عليها برامج تطوير فعلي عميق وممارس وهادف ؟
هل ذهبت هذه الحوارات وهذه الإجراءات لعملية التعلم نفسها ؟
وهل الحصة الدراسية الافتراضية مبحثا مهما طرح على طاولة النقاش واتخذ من أجلها حلولا ومعالجات ؟
سيقول أحدهم .. إن هذه المعالجات هي من أدوار المعلمين وهذا كلام صحيح والمعلمين أيضا يقومون بعمليات تقويم مماثلة ولديهم نتائجهم ولديهم معالجاتهم .
ووزارة التعليم لها عمليات تقويم تخصها والمفترض أنها تترجم نتائج هذا التقويم في خطط معالجة وممنهجة عن طريق إداراتها التعليمية ومكاتب التعليم وكل يعالج نتائج قياسه على مستوى المدرسة والإدارات التعليمية لكي تتظافر وتتوحد الجهود وتتكامل الأدوار .
أما إن كانت هذه الاختبارات لغرض الاختبارات فقط , أو لغرض حث الطلاب على المذاكرة فهذا كلام لا يمكن القول به ففي الواقع أن كثرة هذه الاختبارات قد سببت برودا وانعكاسا بعدم الاهتمام لدى غالبية الطلاب , كيف والكتب بين أيديهم وأصدقاء الدعم من خلفهم و ” قوقل من أمامهم ” , فحدثوا العاقل بما يعقل وعن أي حث نريد توليده في هذا الوضع !
إن ما نراه ونشاهده أن اختبارات كثيرة تتم , ولكننا لم نلمس خارطة عمل محكم يساهم في الحل وإن تمت فهي مجرد خطوات سريعة تدور في نطاق الإجراءات المؤقتة والحلول الإسعافية العاجلة التي تنفذ سريعا ويذهب أثرها سريعا .
وختاما ..
إن هذه الفترة التي يتعلم في الطلاب والطالبات عن بعد يجب أن تراقب بعناية كما يجب أن تعالج نتائجها وتتابع بعناية أيضا وبأدوات ذات مصداقية عالية وأن تتضمن مهاما أدائية متقنة ومحكمة مع جودة المعالجات العميقة وذات الأثر الفعلي حتى نضمن أن نتجاوز هذه المرحلة بأمان كاف يمكّن المتعلمين من استئناف مراحلهم الدراسية القادمة بما لديهم من خبرات ومعارف كافية ومناسبة … ويعود ابناؤنا وبناتنا بأمان -بإذن الله –إلى مقاعد الدراسة ليواصلوا مراحل تعلمهم دون آثار جانبية أو مفقود تعليمي – لا قدّر الله .