بقلم الكاتبة / د. وسيلة محمود الحلبي
يحتفل العالم بيوم المعلم في الخامس من أكتوبر كل عام، فكل عام وأنتم أيها المعلمون أبناء عصركم.. فكل شيء يهون من أجل أبنائنا.
قال الشاعر أحمد شوقي:
قم للمعلم وفه التبجيلا – كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولاً
فهو الذي يبني الطباع قويمة – وهو الذي يبني النفوس عدولا
ويقيم منطق كل أعوج منطق – ويريه رأياً في الأمور أصيلا.
أيها المعلمون، أيتها المعلمات الذين أضاؤوا العَشْرَ شمعا ًللطلاب والطالبات نرفع لكم القبعة، فأنتم المورد العذب لكل ظامئ والموئل الآمن الذي يحتضن كل من أتعبته الحياة، فصار حائرا في أمره، ومشَوِشا فكره.
إخلاصكم وتفانيكم في تعليمكم للطلاب والطالبات يجعلكم مثالا يحتذى، وهاديا يرتجى، ويهتدى إذا احلولك ظلام الجهل وخيمت عروشه، وامتدت أيدي الناس تلتمس النور وتنشد الهدى، فليس لها بعد الله إلا العلم فهنيئا لكم هذه المكانة الرفيعة.
شكر أ لكم بحجم السماء، تقديرا وعرفانا لكل معلم مخلص، يفني عمره في تعليم أبناء أمته ووطنه العلم النافع والمعرفة الجامعة ليزيل عنهم سدف الجهل ويبصرهم بنور العلم مبتغيا رضى الله عز وجل، ممتثلا أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: “تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة”. إن التعلم والتعليم قوام الدين والحياة، فلا بقاء للحياة إلا بهما، ولا تزدهر إلا ببقائهما.
كلها (ميمات) تضع المعلم ومن يتولى أمر إدارته أمام مسؤولية صعبة وجسيمة لا تقل أهمية عمن يتولى مسؤولية الحفاظ على الوطن وهويته.. فهل نحن بمستوى هذه المسؤولية؟
هل هو من باب الصدف أن يقترن أول حرف من اسم المعلم بالمعرفة والمستقبل والمحيط والمبدع والمكتبة والمتوهج والمنافس والمدرسة والمفهوم والمصطلح والمصدر، والمسؤولية، والمهمة، والمصير..
إن الذين علموني ظلوا راسخين في ذاكرتي حتى هذه اللحظة، والذين أهملوا الدرس الذي ينبغي أن أتعلمه منهم، مسحتهم الذاكرة من أول درس تلقيته منهم..
إن التنقيب عن المعلم المخلص والمتميز والمبدع، يعادل التنقيب عن الذهب الأسود والحجر الكريم، فالمعلم المخلص ثروة لا تنضب.
إن المعلم إن لم يكن نحاتًا لحروفه، يصبح تلاميذه أشبه بالمادة الخام… لا تحيا إلا إذا طالتها روح نحاتها فوهبها من روحه حياة ومعنى وجمالًا وقدرة على التعبير والتأثير..
والمعلم الحقيقي هو من تصقل جوهره تجارب الحياة وخبراتها فتزيده لمعانًا وألقًا، وليس من يكتفي بفحوى الدرس فحسب وكما لو أن الحياة مختزلة كلها فيه..
والمعلم الذي يستخدم وسائل الترفيه في كل حصة ينجزها مع تلاميذه، هو في رأيي يدرك معنى التربية الحقة.. فالترفيه في حد ذاته تربية ويأتي قبل التربية في كثير من الأحيان، أو يكون أحد أهم العناصر فيها، فلا خير في درس مهم.. مهما بلغت أهميته، مادامت الوجوه عابسة ومتجهمة..
إن المعرفة ماء.. فانهل من معينه أيها المعلم.. فوحده الذي لا ينضب.. ووحده الذي يتجدد.. وكلما ازداد منهل الماء عمقًا وعذوبة، ازداد فضول أبنائنا لاكتشاف أسباب هذا العمق والعذوبة..
المعلم الحقيقي والمؤثر يبقى حاضرًا بيننا وإن رحل عن الدنيا، والمعلم النقيض غائب عن الدنيا وإن ظل موجودا فيها وبيننا. رحم الله من علمونا وبقوا معنا حتى يومنا هذا وكما لو أننا لم نزل نتلقى منهم دروسًا جديدة في الحياة..
أيها المعلم، أيتها المعلمة: للنجاحات أناس يقدرون معناه، وللإبداع أناس يحصدونه، لذا نقدّر جهودكم المضنية، فأنتم أهل للشكر والتقدير..فوجب علينا تقديركم فلكم منا كل الثناء والتقدير الذي يساوي حجم عطاؤكم اللامحدود.
*معلمة سابقة
*سفيرة الإعلام العربي
*عضو اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
* مسؤولة الإعلام بجمعية كيان للأيتام