حمساء محمد القحطاني _الأفلاج
في الأدب العربي القديم، تبرز قصص حروب البسوس كأحد أروع الأمثلة على الصراع والشجاعة والانتقام. من بين هذه القصص، تبرز حكاية جساس وكليب بن ربيعة والحارث بن عباد والزير سالم، وهي قصة مليئة بالعبر والدروس.
عندما قتل جساس كليب بن ربيعة، وقعت الواقعة بين القبائل واشتعلت الحرب. في هذا السياق، قال الحارث بن عباد للزير سالم: “إن الدية عند الكرام الاعتذار”. كان هذا القول يحمل في طياته دعوة إلى التعقل والتسامح بدلاً من الانتقام. كان الحارث بن عباد يحاول أن يكون صوت الحكمة والعقل في وسط الفوضى.
لكن المواقف تتغير والأحداث تأخذ منحى آخر. عندما قتل الزير سالم جبير بن الحارث بن عباد، تبدلت حكمة الحارث بن عباد إلى رغبة عارمة في الانتقام. قال ابن عباد حينها: “سأقتل به عدد النجوم والرمال والحصى”. تلك الكلمات تعكس مدى الألم والغضب الذي شعر به، وكيف أن الحكم الذي قدمه في السابق تلاشى أمام جرحه الشخصي.
هذه القصة تلخص حكمة مؤلمة: الكل حكيم ما دامت القصة ليست قصته. فعندما نكون بعيدين عن المعاناة والمحنة، يسهل علينا تقديم النصائح والمواعظ. يمكننا أن نبدو عقلاء وحكماء عندما لا نكون نحن من يعاني. ولكن عندما نصبح نحن من يتألم، تتغير وجهات نظرنا وتتبدل مواقفنا.
من هنا، يمكننا أن نستخلص درسًا مهمًا: الحكمة الحقيقية تأتي عندما نستطيع أن نتحلى بالتعقل والرزانة حتى في خضم أحزاننا ومآسينا. من السهل أن نقدم النصائح للآخرين، لكن التحدي الحقيقي هو أن نكون قادرين على تطبيق تلك النصائح عندما نكون نحن من يعاني.
في النهاية، تبقى هذه القصة تذكرة لنا بأن نتحلى بالتعاطف والفهم، وأن ندرك أن الحكمة ليست مجرد كلمات نقولها، بل هي مواقف نتخذها في أصعب الأوقات.
لزء من نسيج الثقافة العربية. إنها تذكرنا بأهمية الحفاظ على تراثنا وتمريره للأجيال القادمة، حتى في خضم التطور التكنولوجي السريع. فهي تبقى شاهدة على جمال البساطة وقوة الترابط الإنساني، مذكرة إيانا بأن أجمل اللحظات في الحياة غالبًا ما تكون أبسطها.