بقلم / ثامر العنزي
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن أحد الناس شيئًا لا يعجبه، لا يواجهه مباشرة ولا يذكر اسمه، بل كان يقول: “ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا؟”، فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها أنه كان يكتفي بالتلميح دون التصريح، حرصًا على مشاعر الناس وتعليمًا لهم بأسلوب لطيف وبعيد عن الإحراج، إنها الفطرة النبوية والأخلاق الربانية والإرث الإنساني العظيم الذي يجب أن نتخلق به في تعاملاتنا كافة.
في حياتنا اليومية، تحدث مواقف تحتاج منا إلى الحكمة في التصرف، خاصة في الأمور الدينية التي تتطلب اللطف والرحمة، مثال على ذلك ما حدث في أحد المساجد خلال صلاة العصر، حيث تعرض أحد الوافدين، غير الناطقين باللغة العربية، لموقف محرج بسبب رنين هاتفه المحمول.
بدأت القصة عندما قام الإمام بتكبيرة الإحرام، وفجأة بدأ هاتف أحد الوافدين يرن، يبدو أن الهاتف كان من النوع القديم، حيث استمر صوت الجرس طوال الصلاة تقريبًا، ولم يستطع الوافد إيقافه، ربما لعدم معرفته بكيفية التعامل مع الموقف، أو خوفه من أن إيقاف الهاتف قد يبطل صلاته.
بعد انتهاء الصلاة، التفت الإمام إلى المكان الذي صدر منه الصوت وقال بغضب: “أزعجتنا وأشغلتنا عن صلاتنا”. شعر الوافد بحرج شديد، وأطرق رأسه في صمت، وكأنه يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه، بعد الصلاة، قام أحد المصلين بالاقتراب من الإمام، مشيرًا بلطف إلى أنه كان من الأفضل نصح الوافد على انفراد، حيث قد لا يكون لديه معرفة بكيفية التعامل مع الهاتف أثناء الصلاة، هذا النوع من التوجيه يساعد في تجنب الإحراج ويعزز من روح التعاون والمودة.
فجميعنا أيها الشيخ الكريم قد ننسى وضع أجهزتنا في وضع الصامت عند دخولنا للمسجد، تأملت هذا الموقف، وراجعت العديد من التصرفات الغريبة التي قد تصدر عنا دون قصد أثناء الصلاة، يذكرنا هذا الموقف بضرورة الرفق واللطف في تقديم النصيحة، فعندما ننصح شخصًا، يجب أن نكون حريصين على عدم إحراجه أو وضعه في موقف يجعله يشعر بالخجل، خاصة إذا كان جديدًا على الممارسات الدينية أو غير ملم باللغة أو القواعد.
يستحضر هذا الموقف ما حدث في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي بال في المسجد. فقد روى الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًا دخل المسجد وبال فيه، فثار الصحابة يريدون أن يؤنبوه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم: “دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين”.
هذا الحديث الشريف يظهر لنا كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأخطاء بيسر ورحمة،فلم يوبخ الأعرابي أمام الجميع، بل وجه الصحابة بأن يعالجوا الموقف بلطف وهدوء.
الدين الإسلامي بني على الرحمة والرفق، ويجب أن نقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في كيفية تعاملنا مع الآخرين، خاصة الوافدين أو الذين قد يجهلون بعض الأحكام الدينية، فبدلاً من التوبيخ أو الإحراج، يجب أن نتعامل مع هؤلاء الأشخاص بأسلوب تعليمي رقيق يساعدهم على فهم الدين بطريقة تشجعهم على المزيد من الالتزام به.
يمثل الإمام في المجتمع الإسلامي رمزًا للخير والرحمة، وهو الجسر الذي يربط بين التعاليم الدينية والأفراد، خاصة الوافدين الجدد الذين التحقوا حديثًا بالإسلام أو أولئك الذين يعتزمون ذلك.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ”. وهذا يعكس مدى عظم الأجر الذي يناله الإمام عندما يسهم في هداية شخص ما إلى الدين الإسلامي، فكل خطوة يأخذها الوافد الجديد نحو فهم الإسلام بشكل صحيح، وكل مساعدة تقدم له، هي بمثابة صدقة جارية تعود على الإمام بالأجر والثواب.
تتميز المملكة العربية السعودية بدورها الريادي في الدعوة إلى الإسلام، حيث تعتبر مركزًا هامًا للجهود الدعوية على مستوى العالم. فقد أنشأت العديد من المراكز والجمعيات الخيرية الدعوية التي تعمل على نشر قيم الإسلام وتعاليمه السمحة، وذلك من خلال تقديم المعلومات والمواد التثقيفية بطريقة تلبي احتياجات جميع شرائح المجتمع، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
تسعى هذه المؤسسات إلى تعزيز الوعي الإسلامي ونشر المحبة والسلام، مستندة إلى الحكمة والموعظة الحسنة. إن الجهود المبذولة تشمل إقامة الفعاليات والندوات والمحاضرات التي تهدف إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام وتعريف الآخرين بجوهر الدين، مما يساهم في تحبيب الإسلام إلى النفوس، لنذكر دائمًا قول الله تعالي، “ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك ” فلنستمد من التربية الربانية ما يعيننا على أن نكون قدوة حسنة، متخلقين بالقرآن قولا وفعلاً وسلوكًا.
همسة أخيرة لبعض الأئمة: ترفقوا
إلى كل إمام يقف أمام الناس ليقودهم في الصلاة، تذكروا أنكم تمثلون الرحمة واللين في الإسلام، إن موقفكم ليس مجرد قيادة للصلاة، بل هو أيضًا تربية للقلوب وتعليم للأرواح، ترفقوا بالناس، خاصة الوافدين الجدد والذين يجهلون بعض أحكام الدين، فالرفق هو السبيل لجذب القلوب وجعلها تتعلق بالدين وتقبل عليه بحب.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه”. فلتكن نصائحكم وتوجيهاتكم مليئة باللطف والرحمة، ولتكن قلوبكم واسعة تحتضن الجميع.
دمتم بود