سارة طالب السهيل
ودعنا في أغسطس الماضي الكاتب أحمد عمر رائد صحافة الطفل العربي، الذي أنفق عمره انتصارا لقضية تثقيف الطفل وتنمية مداركه وتوسيع آفاق خياله عبر الدور الكبير الذي قام به في تأسيس مجلة ماجد أشهر مجلة مخصصة للأطفال.
ودعنا أحمد عمر ذلك الكاتب المصري المخلص للغته وثقافته العربية، وبقيت آثار رحلته مع عالم الطفولة من غرس قيم أخلاقية ومعرفية في نفوس الصغار وتغذيتهم بالخيال والفنون والمغامرات باقية خالدة حفظتها صفحات مجلة ماجد.
حب القراءة لدى الفقيد أحمد عمر بدأ مع القرآن الكريم وهو في الرابعة من عمره، حتى تعرف على سور الأزبكية، فاستهوته الكتب القديمة التي كانت تباع بأسعار زهيدة، ومنها صنع لنفسه مكتبة ضخمة.
وتجربته المبكرة مع الكتاب والقراءة جعلته يؤمن ويدعو لضرورة تشجيع الأطفال على القراءة، والتي يراها مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجلة، فالطفل إذا لم يعتد القراءة في بواكير عمره، فلن يهتم بها مستقبلا، وهذا ما أؤمن به أنا أيضا، وأدعو إليه في كل فرصة ومناسبة.
والحقيقة أن رائد صحافة الطفل العربي أحمد عمر طبق ما كان يؤمن به عبر مجلة ماجد، ونجح نجاحا باهرا في غرس حب القراءة وأهمية الكتاب في نفوس الصغار، ورغم غزو الكتب الإلكترونية والمسموعة، فان الفقيد أحمد عمر ظل مؤمنا بأهمية الكتاب الورقي لما يوفره من متعة خاصة بالخيال والتخيل، والتي لا يمكن للشاشات أن تحققها.
اختير اسم هذه المجلة، تيمّناً باسم البحار الإماراتي الشهير شهاب الدين أحمد بن ماجد، أحد أبناء إمارة رأس الخيمة، وهي المجلة التي أدت دوراً كبيراً في تثقيف الطفل العربي، وتعزيز قدراته المعرفية، كما حفظتها صدور الأجيال التي تغذت عليها، وتدين فيها بالفضل لمؤسسها الراحل أحمد عمر وسياسته التحريرية التي استقطبت الموهوبين من الكتاب والرسامين في كتابة قصصها الشائقة.
ولد فقيد صحافة الطفل العربي أحمد عمر، في 25 سبتمبر 1939، وتخرج من كلية الآداب قسم الصحافة، والتحق بالعمل في صحيفة الاتحاد الإماراتية، وكان عضواً في فريقها التأسيسي. وفي عام 1979 تولى رئاسة تحرير مجلة ماجد، وظل مشرفاً على المجلة لمدة 25 عاماً، محققاً نجاحات كبيرة، وفي عام 2004 حصد جائزة صحافة الطفل، تكريماً لإسهاماته.
منذ نعومة أظافري، كانت مجلة “ماجد” هي نافذتي إلى عالم مليء بالخيال والمغامرات. كنت أنتظرها بفارغ الصبر كل أسبوع، وكأنها تحمل لي هدية ثمينة. كانت صفحاتها تحمل في طياتها ذكريات الطفولة الجميلة، حيث كان أبطالها هم أصدقائي الحقيقيين، يشاركونني أحلامي وأفراحي وأحزاني. كنت أعتبرهم جزءًا من حياتي، وكأنهم يعيشون معي في كل لحظة. ولا أخفي عليكم أنني لم أتوقف عن شراء المجلة وقراءتها حتى بعد أن كبرت. إنها ليست مجرد مجلة، بل هي جزء من روحي وذكرياتي، تحمل في طياتها عبق الطفولة وبراءتها.
فقد عشت أجواء المغامرة، وارتحلت على أجنحة الخيال، وانا اعيش مع (كسلان جدا)و مغامراته مع أخيه نشيط، وشخصية زكية الذكية التي كان لها الفضل في تحبيب العلوم وحب الاستكشاف لي، وشخصية النقيب خلفان، والمساعد فهمان ومغامراتهم لكشف الحقيقة، وشخصية موزة الحبوبة وشقيقها رشود وبيبي الشقية وأبو الظرفاء، وابحث عن فضولي الذي كنت اشعر بسعادة بالغة حين اجده و شمسه و دانا و نضاراتها الكبيرة التي اشتريت مثلها تيمنا بها وغيرها من الشخصيات التي اخذتني الى عالم القراءة و لم انسها يوما فقد خلقت هذه المجلة حالة من الحميمية مع قرائها الصغار وحتى بعد أن كبروا ظلوا حريصين على اقتنائها ارتباطا عاطفيا ووجدانيا وعقليا بها، كما أنها عملت على دعم أدب الطفل وتشجيع الأطفال على القراءة والمعرفة والإبداع عبر سياسية الراحل أحمد عمر، فاستحقت عن جدارة جائزة الصحافة العربية مرّتين.
وحققت مجلة ماجد نجاحًا، وصارت ضمن قائمة الأكثر مبيعًا في الوطن العربي، حيث وصل حجم المبيعات إلى 176500 نسخة في الأسبوع، وهو رقم قياسي في تاريخ الصحافة الموجهة للأولاد والبنات في تلك الفئة العمرية، وذلك وفق تقرير مؤسسة التحقق من الانتشار الدولية.
وكانت مجلة ماجد سببا في كشف مواهب الكثرين من الكتاب والرسامين، فاحتضنتهم ونجحت بإبداعهم المخلص، وساهمت في انتشارهم وتحقيق نجاحاتهم.
وعلى الرغم من غزو الوسائط التقنية الحديثة، فإن مجلة ماجد التي تصدر شهريا لا تزال تلهث جمهورها العريض من الصغار والكبار أيضا، بفعل حرص القائمين عليها على تطويرها دائما، خاصة عندما أعطت الأطفال فرصة لنشر مواهبهم من القصص والرسومات عبر عدد من صفحاتها، ونشر صورهم، مما حقق التواصل المفيد والعميق بين المجلة وقرائها.
رحم الله أحمد عمر، الذي قدم أهم الوجبات الثقافية والدينية والتربوية والإبداعية في قالب أدبي وفني شائق وجذاب حبب أطفال عالمنا في القراءة والتذوق.