الواقع يتحدث

بقلم/ بشائر الحمراني
الواقع هو تلك القوة اللامرئية التي تحكم حياتنا، وهو في جوهره أكثر مما نراه بأعيننا أو نلمسه بأيدينا. إنه يشكل نسيجاً من التجارب، الأفكار، والمشاعر التي تؤطر وجودنا في هذا العالم. لكن كيف يتحدث الواقع إلينا؟ وهل نحن فعلاً نصغي لما يحاول قوله؟

عندما نتأمل في الواقع، نجد أنه يحمل بين طياته دروساً عميقة تتجاوز حدود التجربة الحسية. الواقع لا يخدع ولا يجمل الحقيقة، بل يعرضها كما هي، مجردة من التزييف والزخرفة. في عالم تسوده السرعة، والانشغال، والتحولات المتسارعة، يبقى الواقع هو الثابت الوحيد الذي يواجهنا بصدق، ويتحدى إدراكنا وفهمنا.

يحدثنا الواقع من خلال تلك اللحظات البسيطة التي قد نغفل عنها أحياناً. قد يكون في نظرة حزن ترتسم على وجه عابر سبيل، أو في ابتسامة رضا على وجه طفل. إنه يُظهر نفسه في صعوبة الخيارات، وفي جمال اللحظات العابرة. الواقع هو معلم صامت، لكنه فعال، يُعلمنا فن التكيف، وكيفية التعامل مع ما هو موجود بدلاً من السعي وراء ما لا يمكن الوصول إليه.

ومن هنا، تتجلى فلسفة الواقع في قبول الحياة كما هي، وليس كما نريدها أن تكون. الواقع يتحدث بلغة التجارب، فلا يعطي شيئاً مجانياً، بل يطلب منا مواجهة الصعاب، وتحمل التحديات، واكتشاف المعنى الحقيقي للحياة من خلال تلك الرحلة الصعبة. في ظل الواقع، نحن مطالبون بتطوير رؤية تتجاوز السطح، لتغوص في العمق، وتبحث عن الحكمة الكامنة في كل موقف وكل تجربة.

قد نواجه أحياناً صراعاً بين ما نطمح إليه وما يفرضه علينا الواقع. هذا الصراع هو جزء من معركتنا المستمرة لفهم العالم من حولنا. لكن ربما يكمن الحل في عدم المقاومة، بل في الاستسلام الواعي لتدفق الحياة. عندما نصغي حقاً للواقع، نتعلم أن نكون أكثر حكمة، وأن نقدر كل لحظة بما فيها، سواء كانت مليئة بالفرح أو الحزن.

الواقع يتحدث، لكن قلة هم من يملكون القدرة على الاستماع. هؤلاء هم الذين يتمكنون من رؤية الحياة بجمالها وبشاعتها، بتناقضاتها وتوافقاتها. فهم يدركون أن الحقيقة ليست دائماً براقة، لكنها دائماً صادقة. في حديث الواقع، نجد القوة للبقاء، والشجاعة للمضي قدماً، والقدرة على رؤية الأشياء كما هي، بدون أقنعة أو أوهام.

وفي النهاية، فلسفة الواقع ليست دعوة للتشاؤم، بل هي دعوة لتقبل الحياة كما هي، بفهم عميق وتقدير صادق لما تقدمه لنا. عندما نتقبل الواقع بكل تفاصيله، نصبح أكثر قدرة على التكيف، وأكثر استعداداً لمواجهة التحديات، وأكثر استعداداً لاكتشاف الجمال الحقيقي الذي ينبع من القبول والرضا بما هو موجود.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.