أنا للبيع

بقلم: بشاير الحمراني

في عالمٍ تقطعه صرخات التبادل، حيث أصبح الأفراد مجرد بنود في قائمة التداول، تتسائل الأنا عن قيمتها الحقيقية. هنا، حيث تُعرض العلاقات كسلعٍ تافهة، تُقيَّم حسب جدواها، تتكشف ملامح الخذلان على مسرح الحياة.

الأنا، التي لطالما آمنت بأن العطاء هو منبع النقاء، تجد نفسها الآن تحت دائرة العرض والطلب، حيث يتم تقييمها بناءً على المصالح والعوائد. كم كان حُلمًا أن تكون القيم الإنسانية غير قابلة للتفاوض، لكن الحقيقة تكشف عن حائطٍ من خيبات الأمل التي تتصاعد بين موازين الصفقات. في ظل هذه الصفقات، يُصبح العطاء مجرد وسيلة للربح، يُستبدل بالإهمال ويُباع بثمن بخس.

العلاقات التي كانت يومًا ملاذًا من الضغوط ومصدرًا للسعادة، تُسَوَّق الآن كأنها منتجات قابلة للاستهلاك. نُقدِّم مشاعرنا، وحبنا، واهتمامنا، لكن في ختام كل صفقة، نجد أنفسنا منبوذين ومجروحين، نتأمل في سحر القيم التي تتلاشى وتُمحى في خضم الألعاب الاقتصادية.

تُعَكِسُ هذه المتاجرات خيبة الأمل التي تكمن في عمق الأنا، حيث يصبح السؤال حول معنى العطاء والتبادل أكثر عمقًا. هل يمكن أن تجد الأنا إشباعًا حقيقيًا في عالمٍ يتعامل مع العلاقات كسلع؟ وكيف يمكن أن نستعيد إنسانيتنا في ظل معاييرٍ تبدو بعيدة عن جوهر الكائن؟

حينما تصبح العلاقات مجرد أدوات للمصالح، تُصاب الأنا بصدمة مؤلمة، لأنها تكتشف أن العطاء الذي بذلته، والوفاء الذي منحته، قد تم التلاعب به كسلعةٍ في ساحة التجارة. هنا، يتحول الإيثار إلى خسارة، وتُبَذَّر المشاعر كما تُبذر الأصول المالية، ويصبح الاحتياج إلى التقدير أصعب من البحث عن الكنوز.

يتجلى خذلان الأنا في حقيقةٍ مريرة، حيث تُفقد الثقة في القيم التي كانت تعتبر ثابتة. تتحول اللحظات الثمينة إلى مجرد صفقات، وتصبح الوعود كالحبر على الورق، سريعة الزوال. في هذا السياق، يظهر الألم كرفيقٍ دائم، يتسلل إلى أعماق الروح ليُذكِّرنا بأننا لسنا مجرد عناصر للبيع، بل كيانات تبحث عن معنى أعمق.

في خضم هذه الصفقة الكبرى، تنبثق الحقيقة: الأنا ليست للبيع، بل هي جوهر الإنسانية التي لا يمكن قياسها بالأثمان. لا يمكن أن تُقيَّم الروح بمقاييس السوق، ولا يمكن أن تُبدَّد المشاعر التي تغذيها النوايا الصافية. تُعَدُ الأنا أبديةً في إطار من الخذلان، حيث تتحطم القيم وتُستهلك العلاقات، لكنها تبقى في صميمها ملاذًا لا يُقَدَّر بثمن.

تستمر الأنا في رحلتها، باحثةً عن المصداقية، وفارقةً بين القيم الحقيقية والتجارة الزائفة. في النهاية، تُدرك أن ما تقدمه من عطاء هو نابع من عمق الوجود، ولا يمكن لأثمان السوق أن تلتقط حقيقته. الأنا ليست للبيع؛ إنها شهادة على القدرة على العطاء في عالمٍ قد فقد بعضًا من روحه في صخب المعاملات التجارية.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.