بقلم بشائر الحمراني
شكوت من الوحدة، فكانت الإجابة همسًا عميقًا من روحي، كأنما تفتح لي أبوابًا لم أكن أدرك وجودها.
جلست وحدتي بجانبي، كرفيقة قديمة، وقالت بصوتٍ يحمل نغمات الحزن والحنان: “لماذا تشكين مني؟ ألست أنا من يرافقك حين يبتعد الجميع؟ أليس في حضني تجدين نفسك بكل وضوح، بلا زيف أو تظاهر؟”
أجابت الروح بهدوءٍ عميق: “أنتِ لستِ عدوة، بل مرآة. تضعينني أمام حقيقتي، وتجعلينني أبحث في أعماقي عن الضوء وسط ظلامك. لكنكِ، أحيانًا، تثقلين عليّ، تأخذين مني ما أحتاجه من الدفء والأنس، وتتركني أعاني من برودتك.”
ابتسمت الوحدة ابتسامة خافتة وقالت: “أنا جزء من وجودك، من رحلتك في هذه الحياة. أنا اللحظة التي تختبئين فيها من العالم، لتستعيدي قوتكِ، لتستمعي لصوتك الداخلي. لكنني أعلم أنني لا أستطيع أن أكون كل شيء، فأنتِ بحاجة للحب، للتواصل، للنور الذي يمدك بالدفء.”
أجابت الروح بنبرة تحمل مزيجًا من الحزن واليقين: “أنتِ محقة، يا وحدة. فبيننا علاقة معقدة، نحتاج لبعضنا البعض، لكن لا يمكنني أن أظل محبوسة في عالمك. أحتاج أن أتنفس هواء الحياة، أن أسمع ضحكات الناس، وأن أشعر بأنني جزء من هذا الكون الكبير.”
أومأت الوحدة برأسها وقالت: “سأكون هنا عندما تحتاجينني. سأكون الظل الذي يلجأ إليه قلبك حين يثقل عليه ضجيج الحياة. لكنني سأسمح لكِ بالتحليق بعيدًا، بالبحث عن النور والفرح في حضن الآخرين.”
وهكذا، استمر الحوار بين وحدتي وروحي، وكأنهما رفيقتان تتبادلان أسرارًا قديمة. أدركت حينها أن وحدتي ليست عدوًا، بل معلمة صامتة تعلم الروح كيف تعانق نفسها، وكيف تجد في أعماقها سلامًا وسط الضجيج. ومن تلك اللحظة، لم أعد أخاف من الوحدة، بل أصبحت أرحب بها كضيفة مؤقتة، تعلمت منها كيف أكون قوية في حضوري، وكيف أستمد من صمتي قوة تُضيء لي دروب الحياة. أصبحت أدرك أنني، مهما ابتعدت عن الآخرين، أجد في وحدتي ملاذًا، وفي روحي نورًا يقودني دائمًا نحو الأمل.