حين كان طرق الباب مغامرة شقية

سمير الفرشوطي ✍️ المدينة المنورة
كانت الشوارع تعج بضحكات الأطفال وصخبهم البريء .. كان هناك لعبة بسيطة، لكنها مليئة بالإثارة والمتعة، تُسمى “طرق الباب والهروب”. هذه اللعبة البريئة، التي قد تبدو مزعجة للبعض، كانت في الحقيقة تجسيداً لروح الطفولة النقية وعفويتها الساحرة. تخيل معي مشهداً: طفل صغير، بعينين تلمعان بالشقاوة، يقترب بحذر من باب منزل. قلبه يخفق بسرعة، وابتسامة مكبوتة ترتسم على شفتيه. يمد يده الصغيرة، ويطرق الباب بقوة، ثم يركض بأقصى سرعة، متواريًا خلف شجرة أو جدار قريب. الإحساس بالمغامرة والخوف الممتع يملأ كيانه، بينما ينتظر بفارغ الصبر لرؤية رد فعل صاحب المنزل.

من الجانب الآخر، نجد صاحب المنزل، الذي ربما كان مستغرقاً في قراءة كتاب أو مشاهدة التلفاز، يُفاجأ بصوت الطرق المفاجئ. يتساءل من الطارق، ويتوجه نحو الباب بفضول ممزوج بالحيرة. يفتح الباب ليجد الشارع خالياً، فيزداد استغرابه وربما غضبه قليلاً. لكن، في أعماقه، قد تومض ذكرى من ماضيه، حين كان هو نفسه طفلاً يمارس هذه اللعبة الشقية. هذه اللحظات، رغم بساطتها، كانت تحمل في طياتها الكثير من المعاني. كانت تعلم الأطفال الشجاعة، وسرعة البديهة، والعمل الجماعي حين يتشاركون في اللعبة. كانت تمنحهم إحساساً بالحرية والمغامرة في عالم كان أكثر بساطة وأماناً.

اليوم، نفتقد هذه البراءة. نفتقد تلك اللحظات التي كانت فيها “المشاكسة” البريئة جزءاً من نسيج حياتنا اليومية. في عصر الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية، أصبحت مثل هذه الألعاب البسيطة ذكرى بعيدة. لكن، دعونا نتذكر أن هذه اللحظات، رغم ما قد تسببه من إزعاج بسيط، كانت في جوهرها تعبيراً عن براءة الطفولة وعفويتها. كانت لحظات تُبنى فيها الذكريات، وتُنسج فيها الصداقات، وتتشكل فيها شخصيات الأطفال. فلنحاول أن نستعيد شيئاً من روح تلك الأيام. ليس بالضرورة بطرق الأبواب والهروب، ولكن بتشجيع أطفالنا على اللعب البسيط، والتفاعل المباشر مع أقرانهم، وخلق ذكريات جميلة خارج العالم الرقمي. وفي المرة القادمة التي نسمع فيها طرقاً على الباب يتبعه صوت أقدام صغيرة تركض مبتعدة، دعونا نبتسم. فربما، في تلك اللحظة، نكون قد لمحنا بصيصاً من براءة الطفولة التي نفتقدها جميعاً.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

عروس تنصب على عريسها في ليلة الزفاف.. صور

روافد ـ متابعات وقع شاب هندي في شراك الحب والارتباط من خلال الإنترنت، بعد أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.