بقلم : الأستاذة مصباح عزيبي-أبوعريش
نعيش في وقتنا الحاضر عصر التكنولوجيا والثورة الرقمية والذي توغل في سائر مجالات حياتنا السياسية، الاقتصادية، الصناعية، التجارية و التعليمية. فلاشك أن التكنولوجيا وثورة المعلومات أصبحت من الملامح الأساسية لهذا العصر وظهرت وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحنا نشبه القرية الالكترونية الصغيرة بحيث يستطيع المرء التواصل مع الآخر، الذي يبعد عنه آلاف الأميال في نفس اللحظة ويستقي المعلومات من مصادر متعددة ومختلفة. ولهذا سمي هذا العصر بالمجتمع السائل كما أطلق عليه المفكر البريطاني (زيجمونت ياومنت) أو ما يعرف عند علماء الاجتماع المعاصرين بالمجتميع الرقمي. ولا يقتصر استخدام التكنولوجيا على المتخصصين ولكن تشمل الرجل العادي غير المتخصص وكذلك أطفالنا من سن الروضة وحتى الجامعة. ولذلك ظهر ارتباط قوي بين التعليم والتكنولوجيا في السنوات الأخيرة وانعكس هذا الأثر على كل من المعلم والطالب وفي التطبيقات التكنولوجية التي يلجأ إليها كل من المعلم والطالب لتقديم خدمات معرفية وتقنية تسهم في تطوير مهارات الطالب والمعلم. في ظل هذا المجتمع الرقمي الجديد- بأبعاده المتعددة الثقافية- الأخلاقية- السياسية- الأمنية- – التربوية- الذي يتشكل يظل السؤال المهم الذي يجب أن يدور في أذهاننا بوصفنا مُربين.. كيف نحافظ على النسق الأخلاقي والقيمي لطلابنا في مراحل التعليم المختلفة وخاصة مرحلة ما قبل الجامعة؟ والسؤال الآخر المهم كيف نحافظ على أمن مجتمعنا وسلامته من الشائعات والأكاذيب والفتن التي تُنشر عبر وسائل التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي و ينعكس أثرها سلبا على المجتمعات والتي قد تقود إلى تفكيك وحدة الدولة وكذلك الصراع الطائفي والعرقي وغيرها من أنواع الصراعات المحتملة؟ وهنا يبرز دور المدرسة كمؤسسة تلعب دورا كبيرا في غرس القيم الاجتماعية لدى الطلاب ونشر قيم المواطنة وحب الوطن في نفوس أبنائنا الطلاب وتقديم استراتيجيات وقائية تمنع الطلاب من الوقوع في براثن الأخطار المدمرة للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.
ان الإشكالية التي تواجه كلا من المعلمين اليوم وأولياء الأمور تتمثَّل في أن فكرة الرقابة والسيطرة على أبنائنا الطلاب أصبحت من الصعوبة بمكان لأن استخدام التكنولوجيا يسمح لهم بالتواصل مع أشخاص مجهولين رقميين نجهل عنهم هويتهم الحقيقية وأغراضهم وأهدافهم التي يأملون تحقيقها عبر التواصل مع أبنائنا الطلاب بالإضافة إلى المواقع الالكترونية مجهولة المصدر والتي تنطوي على أفكار مغلوطة وقيم تدميرية سلبية قد ينعكس أثرها على أبنائنا وقد يمتد أثرها على مجتمعنا. وإذا كان أبناؤنا يقضون الساعات أمام أجهزة المحمول والكمبيوتر، ومع انتشار المخاطر التي تواجههم عبر شبكات الانترنت ووسائل التواصل، كان على المعلم أن يكتسب أدوارا جديدة غير تقليدية وكذلك على مناهجنا الدراسية أن تخصص جزءا من المحتوى التعليمي يدور حول تنمية الوعي لدي طلابنا من خلال إيضاح كيفية التعامل بطريقة مناسبة وحضارية مع الشبكات العنكبوتية والأدوات التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى مد أبنائنا الطلاب بالأبعاد السياسية والقانونية والأمنية للاستخدام السليم والآمن لهذا العالم الافتراضي الجديد. فنعلمهم كيف يصدون الشائعات المغرضة التي تشكك أبناء الوطن في رجاله الشرفاء الذين يديرون شؤون البلاد.. وكيف يتصيدون لمن يريدون إشاعة الفوضى بين أرجاء البلاد وإثارة الفتن بين أبناء الوطن الواحد.. ولهذا وجب على المعلمين مناقشة الطلاب في المعايير الأخلاقية التي تحكم علاقة المستخدم بتلك التكنولوجيا وأخلاقيات التعامل مع تلك الوسائل والمواقع، وخطورة الحديث مع الغرباء والدردشة معهم، وخطورة الحديث عن قضايا تمس أمن الوطن وقضاياه.
ولهذا كان من الضروري أن تقوم الوزارة ومصممو المناهج التعليمية بوضع سياسات واستراتيجيات و قائية بهدف حماية أبنائنا الطلاب بالإضافة الى أهمية تنمية التفكير النقدي حتى يتسنى لهم فهم وتحليل المعلومات و القدرة على تقييمها ومعرفة إيجابياتها ومخاطرها. فكل هذه المهارات وغيرها ضرورية في عصر المجتمع الرقمي، لمواجهة المخاطر التي ذكرناها في طي هذا المقال.