بقلم/ مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
النفوس البشرية بطبعها الاختلاف وهو سنة كونية في البشر فلا يمكن أن يعيش الناس بدون اختلاف ولا يكون للحياة طعم ومذاق وتقدم إذا لم يوجد الخلاف المحمود الذي لا يضر بآخرين، ولكن عندما يكون ضرر ذلك الخلاف أن يقع ظلم على خلق الله فهذا هو المذموم ، والأصل في الإنسان الظلم والجهل .
قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (15/357): «وأما من يقول: الأصل في المسلمين العدالة. فهو باطل، بل الأصل في بني آدم الظلم والجهل ، قال الله تعالى (وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ، والله عز وجل من صفاته العدل في كل شي فهو سبحانه لا يظلم الناس شيئا يقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ، والله عزوجل من عدله يسمع كل شكوى من كل مظلوم يعيش على هذه الأرض مهما كانت ديانته بل ويسمع لكل من احتاج إليه، كما قال الله تعالى عن المشركين (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) فالله عزوجل يسمع حتى من الكافر سواء دعاه لكرب أو ظلم وقع عليه وكذلك المسلم من باب أولى فهو عدل بين خلقه، والله عزوجل كما ورد في الحديث القدسي حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً وأمرنا أن لا نتظالم ووردت الآيات والأحاديث المحذرة من الظلم ومنها قوله صلى الله عليه وسلم (من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أراضين) وغيرها من التحذيرات من الظلم الذي قد يموت منه الإنسان كمدًا.
إن الظلم وطأته شديدة على نفس المظلوم وقد لا يستطيع أن يتحمل ذلك بحسب شدته فيكون له مآلات لا تحمد عقباها، ولكل قارئ قصة قد سمع بها أو عاشها في الظلم، مع تقدم الأزمنة وتكاثر الناس وتنوع المعاملات اليومية والتمدن وتقدم الاقتصاد وارتفاع لغة الأرقام المالية، أصبح الإنسان يجري خلف عمارة الأرض ومتاعها وكأنه سوف يخلد بها وتحدث الحوادث بين البشر فيلجؤون إلى من يفصل بينهم بما لديه من أحكام ، هنا يبغي الناس بعضهم على بعض ، وينسى المتخاصمون أن المحكمة الدنيوية إن أخذت منها على خصمك بغير وجه حق فتأهب للمحكمة الإلهية .
من طبيعة البشر أنه إذا مسه الضر لجأ إلى من ينقذه ويقف معه ، فهنا رسالتي إلى كل محامٍ ومحامية في العالم أذكرهم بأن الناس يحتاجونكم بما وهبكم الله من قدرات فلتكن رسالتكم سامية مبدؤها العدل والإنصاف لا يكن المال أو الجاه هو المسيطر على تلك المهنة الشريفة ، قبل أن تقف مع من لجأ إليك ضع بين عينيك المحكمة الإلهية ولاتكن معونة ظلم لأحد فيسحتك الله بعذاب، قد يتقدم لك من عرض له حادث من حوادث الدنيا ولجأ إلى الجهات العدلية وعند تصورك لموضوعه ودراسته وتبين لك أنه ظالم لغيره وقد يكون الضرر يقع على خصمه فكن حذرًا وتذكر إنسانيتك وأن الله مطلع على كل صغيرة وكبيرة ، سوف يذهب المال وسوف يذهب موكلك ويذهب خصمك ولن يبقى إلا ما قدمت .
المال زينة الحياة الدنيا وعصبها فإياك أن تظلم عباده لأجل دنيا ، وامتثل النصح في الأمور كلها لا تجعل همك المال بل اجعل همك هو نشر العدل بين الناس وحل المشكلات بين البشر، لاتكن معول شر فتفرق بين الأسر وبين الأقارب لأجل حفنة مال وتأول ما لا يتم تأويله فالحق أبلج ، فلتمتثل الإنسانية في مرافعاتك والأخلاق الرفيعة في تعاملاتك وإذا تبين لك ظلم على بشر فما أجمل أن تتراجع حتى وإن خسرت في ذلك فخسارتك في الدنيا هي فوز لك في المحكمة الإلهية، فلا تبع دينك لأجل دنيا غيرك .
عن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، تأمل هذا الحديث العظيم فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ حق العباد بالباطل حين الترافع عند القضاء ، وقد يأتيك من ضاقت به الدنيا وقلت حيلته وقصرت يده عن دفع الأجور فلا تنس أن تقف معه وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
لن يدعك الله تجبر كسر الضعفاء ثم لا يشكرك ، ومملكتنا العربية السعودية دستورها الكتاب والسنة ومنها تستقي الأحكام القضائية، وولاة أمرنا حفظهم الله جعلوا العدل بين الشعب أمام أعينهم و هو هدفهم الأول وأوجدوا المحاكم القضائية العدلية بشتى أنواعها التي تحكم بين العباد وتنتصر لكل مظلوم وتقمع كل ظالم، فنسأل الله أن يحفظ قادتنا وعلماءنا وبلادنا وقضاتنا وشعبنا من كيد الكائدين وحسد الحاسدين .