(سعيد فخر عشيرته وفقد قبيلته)

              بقلم:

الأستاذ/ موسى بن سعيد القبيسي

حينما أقبل إلى الدنيا لم يكن سوى طفل بسيط شأنه شأن بقية أطفال جيله وقريته، لم يتميز عنهم إلا باسمه الذي أطلق عليه والديه وهو سعيد.

ومع مرور الوقت أصبح لسعيد مكانة عظيمة عند والديه وبالأخص عند والده فهو الابن الكبر والولد المبجل صاحب الرأي السديد والعقل المتأتي السليم.

لقد كبر سعيد وصار ذا رأي ومشورة بين أهله وعشيرته، فرغم صغر سنه إلا أنه كان مقدم في قومه فهو من بين وفود القبيلة أولهم وفي المجالس أبرزهم وفي استقبال الضيوف أكرمهم لا يتأخر عن واجب ويحرص على فعل الجميل دائماً.

لم تدم حياته في القرية كثيراُ على الرغم من حب أبيه له حباً يجعله معتمداً عليه في كل صغيرة وكبيرة، انتقل الابن البار مع غيره من أبناء قبيلته إلى المدينة تاركاً خلفه أمه وأباه وقريته رغم حداثة سنه فهو لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره.

في مدينة جده التحق سعيد بالسلك العسكري وأصبح جندياً في الجيش السعودي حريصاً على سمعته سديداً في عمله تشتاق نفسه بين الحين والآخر إلى والديه وقريته يتلمس أخبارهم عبر القادمين من الجنوب.

كان سعيد يكتب رسائل لوالديه ليطمئنهم عن حاله عبر وسيط يكتب له الرسائل بأجر معلوم وذات يوم ضاق صبر ذلك الكاتب فسبه وسب أهله ومنطقته فكانت تلك نقطة تحول في حياة سعيد مما اضطره إلى تعلم القراءة والكتابة ليمضي بعدها في سلم المجد وركب المتعلمين ومصاف المتميزين.

كان يسعى جاهداً لينتقل عمله إلى الجنوب ويصبح قريباً من والديه فهو صاحب بر عظيم بهما لكن لم يتسن له ذلك وقد مرضت أمه مرضاً شديداً مما اضطره إلى احضار أمه إلى مكان إقامته في مدينة جده والاشراف على علاجها.

كان سعيد محبوباً عند كل من عرفه، شهماً، كريماً، يساعد القادمين من الجنوب من أبناء قبيلته حتى يجدوا الوظيفة المناسبة لهم ويستضيفهم في مقر سكنه حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم.

برز سعيد وأصبح له شأن في عمله فقد كان ضابطاً في القوات المسلحة، يتردد عليه الناس حين يحتاجون المساعدة فلا يتردد في خدمتهم وقضاء حوائجهم.

اعتمدت عليه أسرته كثيراً في حفظ حقوقهم وأصبح وكيلاً لهم أمام المحاكم والقضاء ويمثلهم في اجتماعات القبيلة ، فقد استفاد من حياته العملية التي أكسبته الحكمة في التعامل مع الناس وسداد الرأي والمشورة عند الاختلاف.

لقد كان ينفق من ماله الكثير على أهله وقرابته دون أن ينتظر منهم رد الجميل، بنى المسكن لأهله وحفر الآبار واعتنى بالمزارع وأشرف على الكثير من أعمال أسرته وهو بذلك سعيد لأن سعادته في راحة أهله وخدمة مجتمعه.

كان سعيد على قدر كبير من الفهم والإدراك يشجع على الأخلاق الحميدة، من النادر أن تجد له أعداء لأنه كان عظيماً في تعامله مع أهل بيته وأسرته وجماعته وقبيلته، لا يتخلف عن أي مناسبة يدعى إليها يشارك الجميع مادياً ومعنوياً ويبادر دوماً عند أي طلب ودون أي تردد.

عاش سعيد حياة مختلفة فلم تخلو جميع مراحل حياته من المتاعب والصعاب ،لكنه كان يتعامل معها بالصبر والأناة، لذلك حينما تجالسه لا تمل حديثه ولا تشبع من كلامه فهو لا يذكر إلا بالإحسان.

مات سعيد رحمه الله بعد مرض أصابه لم يمهله طويلاً، فكان فقده على أسرته وجماعته وقبيلته كبير، تاركاً خلفه فراغاً يصعب ملئه لكنه ورث القيم التي يعتز بها كل من عرفه لأنه كان فخر عشيرته وفقد قبيلته.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.