بقلم ـ سارة طالب السهيل
في أيام العيد طلت علي نسمات روح أبي ترفرف بأجنحتها وتضمني بإطلالته وإشراقة وجهه وسماحته وهيبته ، خلدت على سرير الذكريات المنعشة للقلب والروح حيث حنين الشجر للجذع والأصل ، فوهبت له قراءة الفاتحة و هطلت دموعي وأنا أردد اغنية المطربة بلقيس: ” أنا أبويا واحشني جدا، محتاج رأيه في حاجات
أهمل في سؤاله عني وما جاش من يوم ما مات
نضارته وساعته لسه، ع الرف مكان ما سابهم
وهدومه جوه كيسهم وجداد من يوم ما جابهم
إنه الألم الحق
إنه الألم ما بعده ألم
إنه الألم المتوارث من سنة إلى سنة
مهما مرت الأيام كل شيء ممكن ينسى إلا رحيل الأب
فالحب للأب أسمي معاني الحب الخالد ، قد تفنى أجسادنا وأنفسنا بالموت ويبقى الحب حيا نابضا في السر الإلهي الروح التي هي من أمر ربي ، ووضع فيها مكنونات أسراره .
كلنا نفخر بآبائنا بالفطرة ، ولكن عندما تتحقق هذه الفطرة بميراث أخلاقي وسياسي وثقافي وحضاري ، فإن هذه الفطرة تحتفظ بهذا الميراث أصلا لوجودها وشرفا وعزة لها في الحياة وبعد الممات ، وهذه هي القيمة التي تبقى منا بعد الرحيل عند الدنيا .
فأبي رحمه الله عليه طالب السهيل من عائلة الإمارة لقبيلة بني تميم، إحدى القبائل الرئيسيةِ في العراق والعالم العربي ، وأحد أبرز زعمائها السياسيين ، سقط شهيدا عقب اغتيال سياسي في بيروت حيث كان في زيارة للبنان.
والدي الشيخ الراحل طالب علي السهيل التميمي ، عاش حرا أبيا مؤمنا بقضية الوطن والحفاظ عليه من الدسائس والديكتاتورية راجيا لوطنه الحرية و العدالة و الأمان والاستقرار و الكرامة والتطور ، حيث عاش رحمه الله عليه ، مناضلا محاربا من أجل وطنه ، ودفع ثمنا غاليا لموقفه السياسي بالخروج من وطنه العراق مضطرا وعاش عمره آملا الرجوع إلى أرضه و أهله و مسقط رأسه ومدينته متشوقا للقاء أصدقائه وأحبته وجيرانه .
وكان والدي قريبًا من العائلة الهاشمية في كل من العراق والأردن ويروي عن علاقة طفولة بينه وبين الملك الحسين رحمة الله عليه امتدت حتى فترة طويلة .
فقد كان والدي متسلحا بالإيمان متوشحا بالشجاعة والجرأة في الحياة عامة والمواقف السياسية بخاصة كما كان العطاء و الفداء مبدأه ر لأ اقول هذا الكلام تملقا أو نفاقا كونه والدي فيشهد الله تعالى وكل من عرفه أن هذا كان ديدنه و مبدأه الذي عاش من أجله فقد كان طيب القلب كريم النفس معطاء ويبدي الآخرين عن نفسه.
وقد كان متواضعا إلى حد لا يصدق كيف يعامل الناس على إنهم سواسية فكنت أسمع صوته مرحبا مأهلا بعامل الحديقه بنفس الطريقة و الصوت و الحماس حين يأتي إلينا ضيفا من الشخصيات الهامة رغم أنني فقدته و كنت طفلة إلا انني اتذكر جيدا طيبة قلبه و عيناه الممتلئة بالحب و الحنان و الهدوء النفسي و الرصانة التي كانت مفاتيح لشخصيته التي ربما قد ورثت عنها الكثير و بشهادة كل من عرفه عن قرب أنني ورثت طباعه، غير أنه بإجماع كبار السياسيين واحدًا من أخطر رجال السياسة في المنطقة العربية وعلاقاته واسعه بالزعماء العرب مهما تنقلت من بلد لبلد على الخريطة له علاقات و ارتباطات وقد كان متسامحا متقبلا لكل من يخالفه الرأي أو الفكر أو العقيدة أو الدين واسع الأفق محاور وليس مجادل يتمتع بالحلم وسعة الصدر وقد كان كغيره من الرجال العظماء في تلك الفترة لا يمكن أبدا أن يأتوا على ذكر المذهب الذي أودى بالعراق لاحقا بالهاوية فترة الفتنة الطائفية فكان هو و رفاقه يعتبرون من يتحدث بالتفرقة الدينية و المذهبية من مستوى أخلاقي و تعليمي منعدم وأصحاب أجندات تفرقه و دمار فكانوا دائما سنة وشيعة مترابطين متفقين متحابين و بينهم عهود و عقود و نسب و شراكة على الصعيد السياسي و الاجتماعي و الديني و العائلي و النسب و كان يحب أهل وطنه العراق و الوطن الأكبر من مسلمين ومسيحين و أهل كتاب على حد سواء و على ارتباطات وثيقة بأصدقائه وأحبابه من الكرد واليزيديين والصابئة والشبك والأشوريين والكلدان ومحبتهم جميعا على حد سواء و حتى هذه اللحظة كل يوم أو يومين ليس أكثر من اسبوع أستلم رسائل من أولاد و أحفاد أصدقائه من كل الطوائف و المذاهب و الديانات يشكرون به و يرون لي حكاياتهم هم و أهلهم معه.
كم تأتيني أيضا رسائل من أشخاص يرون لي حكايات مساعداته المعنوية و المادية القديمة و المتواصلة إلى حين استشهاده و أجد نفسي باكية دموع الفخر و الاعتزاز.
و قد كان والدي يحمل على عاتقه الدفاع عن العراق ، و المجاهرة و المواجهه حتى اضطر وترك قصره بمنطقة أبي غريب إلى المنفى ، ليعيش لاحقا في ضيافة الملك الحسين رحمه الله تعالى الذي كان مقربا منه قربه من أولاد عمه في العراق .و عاش في الأردن وطن الهاشميين و النشامى والجيش العربي الذي كان أيضا يوما ما متحدا مع العراق تحت ظل الاتحاد الهاشمي.
و استمر أبي بالعمل والنضال من كل أرض وطأها و من كل منبر اعتلاه من أجل وطنه و مبدأه وكان يحلم بعراق أفضل دون قطرة دماء واحده تسال ، و كان يحلم بعراق يطور نفسه بنفسه دون يد الغرباء و المتطفلين و كان يحلم بحال افضل
و شاءت الأقدار أن يرحل أبي شهيدا و أن يتغير حال العراق ولكن ليس كما كان يحلم أبي دون دماء أو فتن أو خسائر أو غرباء أو احتلال …. لكن تاتي الرياح بما لا تشتهي الأبطال
أبي الفارس المغوار كان عاشقا للخيول العربية الأصيلة فأنشغل فترات صباه بتربيتها و ركوبها حيث كان يمارس رياضة السباحة و الرمي و القنص و ركوب الخيل وسباق السيارات في مقتبل شبابه
أبي الشهيد يا سر وجودي ، يا فرحتي و يا علمي وعملي وثقافتي ألف رحمة ونور من الله تتنزل عليك وانت حي ترزق كما وعد الله الشهداء، يا من فتحت الباب لقاتليك وانت آمن مطمئن مبتسم الثغر وسط اسرتك في بيروت ، وكأنهم ضيوف تتلقاهم بترحاب وكرم زعيم العشيرة واذا بهم يطلقون عليك رصاص الغدر والخيانة ، لأذوق من بعدك طعم اليتم والفقد والحرمان ، ولكني اليوم بعد ان كبرت ذقت شرف الانتساب لاب شهيد زعيم سياسي وطني مخلص كان يحلم بعراق المستقبل وكأنه فردوس الله في ارضه ، واذا بك ترحل وحدك إلى الفردوس فهنيئا لك بها ، هنيئا لي ولأخوتي بشرف الانتساب لأب مثلك محل فخر واعتزاز في الدنيا والاخرة .