بقلم/ مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
من رحمة الله بعباده أن هيأ لهم مواسم عبادة يستزيدون فيها من الطاعة ويقتربون من الله وينزل عليهم سبحانه الطمأنينة والسكينة ، ومن تلك المواسم العظيمة التي تشتاق لها النفس شهر رمضان شهر الغفران والعتق من النيران حيث تجتمع فيه العبادات الجمة التي تقوي علاقتك مع الله وتقربك منه، من صلاة وصدقة وذكر وغيرهم .
وفي شهر رمضان تتنوع العبادات، فمنذ أن يصبح الصائم حتى يمسي فهو في عبادة واغتنام للحسنات والقرب من الله عز وجل، وقد جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال الله عز وجل : كلُّ عَمَل ابن آدَم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجْزِي به، والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدِكُم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ فإن سَابَّهُ أحَدٌ أو قَاتَلَهُ فليَقل: إنِّي صائم، والذي نفس محمد بيده لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِم أطيب عند الله من رِيحِ المِسْكِ، للصائم فرحتان يَفْرَحُهُمَا: إذا أفطر فَرِح بفطره، وإذا لَقِي ربَّه فَرِح بِصَوْمه».
وهذا لفظ رواية البخاري. وفي رواية له: «يَتْرُك طَعَامه، وشَرَابه، وشَهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أَجْزِي به، والحسنة بعشر أمثالها». وفي رواية لمسلم: «كلُّ عَمَل ابن آدم يُضَاعَف، الحَسَنة بِعَشر أمْثَالها إلى سَبْعِمِئَة ضِعْف، قال الله تعالى: إلا الصَّوم فإنه لي وأنا أجْزِي به؛ يَدَع شَهَوته وطَعَامه من أجلي، للصائم فرحتان: فَرْحَة عند فِطْره، وفَرْحَة عند لقِاء ربِّه، ولَخُلُوف فيه أطْيَب عند الله من رِيحِ المِسْكِ» ،
و في هذا الحديث يبين الله عز وجل أن كل عبادة لها أجرها وحسناتها وفي هذا المعنى يقول الأوزاعي: ” ليس يوزن لهم ولا يُكال، إنما يغرف غرفاً ” و إن الله تعالى قد أضاف شعيرة الصوم إلى نفسه من بين سائر الأعمال، وكفى بهذه الإضافة شرفاً، وهذا والله أعلم أن الصوم يستوعب النهار كله، وبالتالي يفقد الصائم شهوته في أكل الطعام على الرغم من أن نفسه تتوق لذلك إرضاءً لله عزوجل و لا سيما في نهار الصيف لطوله وشدة حره.
إن مقاصد الصيام عظيمة فليس المقصود منه الإمساك فقط؛ بل هو باب لفعل الخيرات قَالَ النبيُّ ﷺ: ( مَنْ لَمْ يَدعْ قَوْلَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ فلَيْسَ للَّهِ حَاجةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرَابهُ) رواه البخاري ، إذا صام البطن صامت الجوارح عن الحرام وصام القلب عن حب غير الله وازداد العبد تعلقاً بالله سبحانه، ولذلك يكثر الأوابون والتوابون في شهر رمضان لما يقذفه الله في قلوبهم من حب الخير وتصفيده لمردة الشياطين ، ومن هنا بتبين أن ترك الطعام والشراب ليس مقصوداً بذاته وإنما هو وسيلة لتحقيق تقوى الله عزوجل- يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
و من مقاصد الصيام: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، الصيام يعد مدرسة لتربية النفس على فضائل الأمور وصدها عن الرذائل ، فشهر رمضان فيه من الفضائل والمحامد التي يجهلها كثير من الناس ، ومن ذلك أنه شهر أنزل فيه القرآن وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران ، وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران ، وفيه يعيش العبد روحانية وقرباً من الله عز وجل، حيث يحصد الحسنات ويبتعد عن المحرمات ، والسعيد من اغتنم هذا الشهر في قراءة القرآن والذكر والصدقة وكفالة الأيتام والاستباق إلى الخيرات.
فكن يا عبد الله من السباقين للخيرات واحمد الله أن بلغك هذا الشهر حتى وإن أصابك العذر لعدم صيامه كعجز وغيره ولكن لسانك مازال يستطيع أن يسبح الله ويذكره فأقبل بنفسك ولا تعجز فإن مع العسر يسراً فالله قد عذرك وعلم بحالك وسوف يجازيك بماعنده كما أنك لو كنت صحيحاً ، فنسأل الله أن كما بلغنا هذا الشهر أن يجعلنا من صوامه وقوامه وممن يخرج منه وقد غفر له ماتقدم من ذنبه ،كما نسأله سبحانه أن يجعل هذا الشهر شهر خير وبركة على المسلمين وأن يرحم ضعف المنكوبين وأن يؤلف بين قلوب المتخاصمين وأن يشفي مرضاهم ويرحم موتاهم اللهم آمين .