بقلم/ مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
(اقرأ باسم ربك الذي خلق) هذه أول آية نزلت على نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم ونطق بها، فما أعظمها من كلمات! النطق باسم ربه الذي خلق، إن النطق والحديث بطلاقة من نعم الله عز وجل التي أنعم بها على عباده وفضلهم بها على الكائنات الحية، وبهذا النطق يتواصل الناس ويتعارفون ويقضون حاجات بعضهم البعض.
ويعد اللسان هو مصدر النطق والتحدث فالحمدلله الذي أنطق ألسنتنا وجعلها تلهج بذكره، في ليلة بهيجة حضرت حفلًا لمتخرجين من مجتمع المتأتئ الذكي، وهم الذين يجدون صعوبة في إخراج الحروف والكلمات هؤلاء خضعوا لبرنامج للتدريب على أسس القضاء على التأتأة من خلال تقنيات علمية خضعت للتجربة والممارسة الحقيقية (تنفس ،املك وقتك، حدد هدفك، رتب كلامك، تواصل بصريًا) هؤلاء المستفيدون أنهكتهم الحياة فقد عاشوا زمنًا طويلًا وهم يعانون من ذلك العجز في الكلام بالتأتأة وإخراج الكلام بسهولة لا يستطيعون أن يختلطوا بالناس خوفًا من الاستهزاء والتنمر يبحثون عن يد العون ومركب النجاة ولم يجدوه انسكبت دموعهم من الأسى وتفطرت قلوبهم من الحزن هم من بني جلدتنا ولكنهم عاجزون عن التواصل حتى أصيب بعضهم بالإحباط والأمراض النفسية، وتعدى ذلك إلى أن بعضهم يود أن تزهق روحه ولا يستمر في هذا العناء لعجزه عن التواصل فقد تخلى عنه القريب وازدراه الصديق لا يدري ماذا يفعل بنفسه احتار عقله وكبلته الهموم والغموم وانعكس ذلك على والديه فلا يدرون ماذا يفعلون به وماذا يقدمون له، فكل ما ذكر لهم معالج ذهبوا إليه لعلهم يجدون بغيتهم ولكن يرجعون صفرًا، حتى أصابهم اليأس وسلموا الأمر لله فينشأ ذلك المتأتئ مع تحديات وصعوبات في المجتمع ولسان حاله انتهت الحلول واستنفذت القوى وليس لنا إلا التعايش، ولكن ما علم أن هناك أناس نذروا على أنفسهم العهد للوقوف مع المتتأتئين ودعمهم نفسيًا وسلوكيًا واجتماعيًا، إنهم المجتمع المتتأتئ الذكي يلهمون العاجزين والمتلعثمين في النطق لكي يكونوا قادرين على الثقة بأنفسهم، وأنهم يستطيعون الكلام بحرية وطلاقة ويزرعون الأمل في قلوبهم.
الله عز وجل لم يخلق الفرد ليقتر عليه في رزقه ولم يقذف به في هذا المجتمع ليموت جوعًا وكمدًا، إنما خلقه لكي يكون عابدًا وهيأ له سبل الحياة وجعل لكل داء دواء علمه من علمه وجهله من جهله، إن المستفيدين الذين رأيتهم في تلك الليلة كأنما ولدوا من جديد ترى في أعينهم السعادة لم يصدق أنه يستطيع التواصل والتحدث والوقوف أمام الناس في مسرح، وقد أخذ العرق منه مأخذه كانت طريقة المجتمع يبدأون معه البرنامج لمدة خمسة أيام متواصلة ينام عندهم في المسكن ويأخذون برنامجاً يوميًا مدته ما يقارب 12 ساعة يتعلم على “تكنيكات” التنفس وإخراج الكلام والثقة بالنفس، وأن الخطأ ليس عيبًا بل هو مصدر لمعرفة الصحيح.
ومن أهدافهم التوأمة مع متعافين سابقين من نفس الفئة، رأيت مستفيدين قبل البدء في البرنامج من خلال فيديوهات مسجلة لا يمكن أن يخرج حرفاً بطريقة صحيحة ويكرر الحرف والكلمة بطريقة لا تتحملها النفس، فكنت أقول في نفسي كيف سيتكلم هذا فذلك من المستحيلات! ولكن عندما خرج أمامنا في المسرح فإذا به يتحدث بلسانه ويريك ما يجعلك تتعجب من قدرة الله على إنطاقه وتقويمه، ولا تسعه الفرحة هو وأهله عندما يرون تحسن حالته، فتظهر الابتسامة على محياهم بشعور لا يمكن وصفه ولو دونت الدواوين وكتبت المعلقات ونظمت أبيات الشعر فالراحة بعد المشقة لا يمكن أن يصفها إلا من عاشها.
وإذا البشائر لم تحِن أوقاتها
فلِحكمة عند الإله تأخرت
سيسوقها في حينها فاصبر لها
حتى وإن ضاقت عليك وأقفرت
وغداً سيجري دمع عينك فرحةً
وترى السحائب بالأماني أمطرت
وترى ظروف الأمس صارت بلسما
وهي التي أعيتك حين تعسرت
ونحن في ذلك الحفل البهيج نسمع التصفيق والتشجيع للمتتأتئين لكي تقوي جرأتهم على التحدث أمام الجمهور من خلال المعززين الذين كانوا مستفيدين من قبل فمن الله عليهم بالتعافي، ويبدؤون يلهمون الجدد ويعطونهم من جرعات الأمل والثقة بالنفس ويبنون معهم العلاقة الأخوية ويحدثونهم أنهم كانوا مثلهم من ذي قبل فمنَّ الله عليهم بالعزم والإصرار والثقة بالله أنهم يستطيعون قبول التحدي ولا يجعلون للعجز مكانًا، اشترك في هذا البرنامج الذكر والأنثى ، الصغير والكبير، الغني والفقير، وجاءوا من بقاع الأرض ومن دول شتى ليجتمعوا في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية التي هي نبراس يحتذى به في العمل الإنساني.
فنسأل الله أن يبارك في بلادنا وأن يجزل العطاء للقائمين على مجتمع التأتأة الذكي وأن ينزل العافية على العاجزين عن النطق إنه بذلك قدير وعلى الإجابة جدير.