بقلم / مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
ديننا الحنيف حث على اجتماع الأسرة التي هي أساس تقدم المجتمعات وعمارة الأرض وحجر الزواية ، وعليها تقع المسؤولية الكبيرة في الرعاية والتربية، ولم شمل وغرس القيم والمبادئ الإسلامية والمعارف العلمية.
عندما تستعرض التاريخ والعظماء الذين كان لهم عظيم الأثر في مجتمعاتهم وتتبع الأسباب الرئيسة تجد في الغالب أن منبعها تلك الأسر التي اهتمت بأبنائها وجعلت منهم قدوات وفاعلين في مجتمعاتهم وكرست جهودها في تنشئتهم التنشئة الحسنة، وكانت لهم أساليب مختلفة في ذلك ، فمنهم من كان يبذل الغالي والنفيس في تعليمهم وتربيتهم التربية الحسنة ويقومّهم إذا تعثروا ويحفزهم إذا تقدموا ويحرص كل الحرص على لمّ شمل أسرته وربطها بمن لهم صلة رحم بهم ويحثهم على حضور الاجتماعات الأسرية ويكونون قدوة لهم بالقول والعمل، ما ينعكس عليهم إيجاباً إذا كبروا ، والمتأمل لمسيرة بعض العوائل تجدهم يتميزون بالروابط الاجتماعية والحرص على حضور المناسبات العائلية وحث الأبناء على الحضور بعكس بعض الأسر التي لا تجد بينها إلا القطيعة لصلة الرحم حتى أصبحت عنوانا لأجيالها، وهم بذلك يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة الحاثة على صلة الرحم وأهمية التواصل والألفة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: «يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال ﷺ: إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.»، وعن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم »، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه»
ولا يخفى على أحد أن الآباء الذين يحرصون على صلة الرحم وتعليم أبنائهم على ذلك؛ قد انعكس على سلوكياتهم وأخلاقهم، و عندما كبروا وهم يحملون قيم البر والاجتماع الأسري تجدهم من الناجحين ومن أصحاب القدوات.
ومن المسائل المحزنة أن بعض الأسر لا يجتمعون إلا في كل شهر مرة أو في كل عيد أو مناسبة ، والبعض الآخر لا يجتمعون بسبب قطيعة رحم أو حدوث موقف ما أغضب بعضهم أو بسبب الحظوظ النفسية، بل إن بعضهم تنقطع اجتماعاتهم الأسرية بموت الوالدين، ولكن هناك صنف جميل من الأسر يجتمعون كل نهاية أسبوع ويلتقون ويتبادلون الأحاديث والهموم ويمتثلون تلك الأحاديث التي تحث على صلة الرحم ويلتقون أبناءهم مع بعضهم ويتعارفون ويتعاونون ويسدون النصائح ويقوّمون الجاهل ويعطفون على اليتيم ويقفون مع الضعيف ، إن اجتماع الأسرة أمر عظيم وآثاره إيجابية على الفرد والأسرة والمجتمع لاتعد ولاتحصى ، ولكن ينبغي في تلك الاجتماعات أن ننتبه من أمر هو مفرق لها عندما يدخل الأبناء في نزاعات فتنتقل إلى الكبار فيبدأ الهجران والتقاطع والتدابر، ولقد رأينا أسراً تقاطعت لأجل مشكلات حدثت بين الأبناء أو نقل للحديث لم يكن صحيحاً أو حسد النفس ، ونختم بأن مكانة الأسرة في الإسلام مكانة عظيمة وكلما تماسكت الأسرة انعكس ذلك على استقرار المجتمعات و كانت أدعى لمواجهة أعدائها واللحمة مع قادتها بعكس الغرب الذي يعيش التفكك الأسري بداعي الحرية، ما ينعكس أثره على استقرار المجتمع ، نسأل الله أن يحفظ بلادنا وقادتنا وعلماءنا وأبناءنا من كيد الكائدين وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار في ظل قيادتنا الحكمية إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.