بقلم: سعد نمنكاني
الشعراء والأدباء لا شك أنهم أبدعوا في وصف الحب وتعداد صفاته وتصنيف درجاته ، وللحب حضور قوي ومميز في كل ما كتب قديماً وحديثاً ، وسيبقى الحب الواحة الغناء التي يستظل في أفيائها الشعراء والأدباء.
وقبل أن ندلف إلى الحديث عن الحب عند الشعراء والأدباء فلنقف أولا عند تعريف الحب.
من العجيب أن هذه الكلمة المكونة من حرفين فقط (حب) شكلت محور جدل واسع على مر الأزمان والعصور، واجتهد في تعريفها الكثير من المفكرين والفلاسفة والشعراء والكتاب فهذا حماد الراوية عندما سئل ما الحب ؟ فقال: الحب شجرة أصلها الفكر، وعروقها الذكر، وأغصانها السَّهَرُ، وأوراقها الأسقام، وثمرتها المنية.
وقال معاذ بن سهل: الحب أصعب ما ركب، وأسكر ما شُرب. وأقطع ما لقي، وأحلى ما اشتهي، وأوجع ما بَطَن، وأشهى ما عَلَن.
وهذا العالم الجليل ابن حزم الأندلسي يقول في كتابه المشهور طوق الحمامة: بأن الحُبّ يبدأ هزليًا، وما يلبث أن ينتهي بشكل جديّ، ولا يمكننا أن نُدرك معانيه أو أن نصفه إلا بالمعاناة.
وقد قيل أن أسبابَ المحبة ثلاثةُ أشياء:رؤية صورة أو سماع نغمة أو سماع وصف.
ومن الشعراء الذين تسلل الحب إلى أعماقهم عن طريق السماع بشار بن برد زعيم الشعراء المحدثين ،يقول:
يا قَومِ أَذني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ
وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا
قالوا بِمَن لا تَرى تَهذي فَقُلتُ لَهُم
الأُذنُ كَالعَينِ تُؤتي القَلبَ ما كانا
وقد أبدع أمير الشعراء أحمد شوقي في حديثه عن النظرة وما تحدث بعد ذلك من تسلسلات الحب والغرام ثم الكي بنار الألم و الفراق وذلك حين يقول:
نظرة فابتسامة فسلام
فكلام فموعد فلقاء
ففـــراقٌ يكـــون فيـــه دواءٌ
أَو فــراقٌ يكــون منــه الــدَّاءُ
ولأجل ما في لقاء المحبوبة من مظنة الوقوع في الآثام فضل الشاعر التهامي لقاء المحبوبة في المنام على اللقاء بها في اليقظة،
يقول:
الطيف أحسن وصلا إن لذته
تخلو عن الإثم والتنغيص والندمِ.
ولننتقل الآن إلى ناحية أخرى من الحديث،
لننتقل إلى الحديث عن الشعراء العشاق،
فهنالك من الشعراء من عشق وكتب الأدب مليئة بقصصهم، حتى أننا لم نعرف أولئك الشعراء العشاق لا بأسماء آبائهم ولا حتى بألقابهم؛ بل بأسماء معشوقاتهم،
كجميل بثينة وكثير عزة وقيس لبنى وغيرهم الكثير،
ولعشق كثير لعزة قصة طريفة،
فيحكى أن كثيرا مر بنسوة ومعه غنم، وكانت عزة صغيرة فتقدمت منه بلسان النسوة قائلة : بعنا كبشاً من هذه الغنم وندفع لك ثمنه عندما ترجع فأعطاها ما طلبت وأعجبته وحين رجع دفعت امرأة منهن ثمن الكبش فقال لها : أين الصبية التي أخذته مني ؟ قالت : وما تصنع بها هذه دراهمك، قال لا آخذ دراهمي إلا ممن دَفَعْتُ الكبش إليها، وخرج وهو يقول :
قَضَى كل ذي دين فوفى غريمه
وعزة ممطول معنى غريمها
فكان هذا أول لقاء بينهما
ومن جيد شعره في عزة قوله :
خَليلَيَّ هَذا رَبْعُ عَزَّةَ فَاعْقِلَا
قَلُوصَيكُما ثُمَّ ابْكِيَا حَيثُ حَلَّتِ
وَمُسّا تُرابًا كَانَ قَد مَسَّ جِلدَها
وَبيتا وَظِلاَ حَيثُ باتَت وَظَلَّتِ
وما كنت أَدري قَبلَ عَزَّةَ ما البُكا
وَلا مُوجِعاتِ القَلبِ حَتَّى تَوَلَّتِ.
وختاما: إن حديث الشعراء والأدباء عن الحب مستمر ما دامت القلوب تنبض وما دامت الحياة تتجدد في كل إشراقة شمس لأن الحب هو رجوع الإنسان إلى صفائه وفطرته الأولى.